هل تستطيع تعليم الطفل أي شيء بمعزل عن سياقه؟ فكيف نستطيع تعليمه السباحة دون أن يسبح؟ وكيف نعلمه الرسم دون أن يرسم؟ لابد أن تعكس تقنياتنا في عملية التعلّم ما يشبه طبيعة الطفل، إذ أنه يكتسب اللغة وينتقي منها ليكوّن التركيب اللغوي الخاص به.

إنّ تعليم اللغة بطريقة المحادثة المنتشرة في مراكز تعليم اللغة تفرض جواً غير طبيعي، لأنّ الموقف مصطنع برمّته، فمن الواضح أنّ التقدّم المنتظم الجامد (الذي يخلو من المرونة) من الكلمات السهلة إلى "المقاطع الأكثر صعوبة" يؤكد ضمناً أنك يمكن أنْ تتوقع أنّ كل شيء سيصبح أكثر صعوبة، وبما أنك تتوقع تزايداً في صعوبة الأشياء، فهذا ما يحدث في الواقع! من الضروري أن تكون البيئة التعليمية محاكية للواقع، وأن تساعد على الشعور بالأمان، وأن توحي بتوقعات إيجابية للنجاح. تعد المتعة من المتطلبات الأولى للتعلم الناجح. لقد أثبت العلماء العلاقة القوية بين الحركة والتعلم، هادمين بذلك مبدأ التعليم التقليدي القائم على بقاء الجسد ساكناً طوال فترة التلقين. لقد قدمت لنا أبحاث "هنريتا والآن لينر " (علماء الأعصاب من جامعة ستانفورد) أول دليل على أن المخيخ مسئولا ليس فقط عن تنسيق وتحقيق توازن حركة الجسم، بل وأيضا عن أخذ المعلومات إلى المخ وإرجاعها مرة أخري منه إلى القشرة الحركية. وقد تتابعت بعد ذلك الكشوفات العلمية ومنها البحث الذي قدمه كذلك بيتر ستريك في المركز الطبي لشئون المحاربين القدامى في نيويورك والذي اكتشف أن الجزء من الدماغ الذي يعالج الحركة هو نفس الجزء من الدماغ الذي يعالج عملية التعلم. ولهذا السبب فإن التعلم السريع يوصي بالألعاب والنشاطات الجسدية وبالتالي يحقق تعلماً أفضل مما يحققه التعلم التقليدي الذي يوصي بفصل الجسد عن العقل. (مرض التلقين بلا حركة)

كيف يتم نقل وتشرُّب مبادئ التعلم السريع؟ إن أحدنا مهما أتى بوصفات ناجحة من أفضل طباخ يعرفه وحفظها وقام بكل ما يلزم ليتقنها، لا يتقنها إلا عندما يدخل المطبخ، ولو أنه تعلم مباشرة في المطبخ لكان الأمر أيسر وأسرع كذلك. إن أفضل عملية نقل وتشرُّب مهارة قيادة السيارة هي المباشرة بالقيادة رأساً. إذاً التدريب والتعلم السريع لمبادئ التعلم السريع هو المباشرة بالتطبيق والممارسة، ثم القيام بالتغذية الراجعة، بعدها المراجعة، ومن ثم التطبيق والممارسة مرة أخرى.

الاصطباغ في التعلّم: كلما كان الوضع النفسي والشعوري والجسدي والعقلي بعيش هاجس العلم والعمل معاً كلما كان التعلّم موفقاً أكثر، ورحم الله أولئك الذين كانوا يسمعون بالمسألة فيطبقونها لا يزيدون عليها شيئاً حتى تصبح عملاً من أعمالهم، ثم يتعلمون مسالة أخرى وهكذا. وكلما كان ديدن المرء ذلك أصبح زمانه ومكانه بيئة تعلّم، وانغمس كلياً في حالة التعلُّم وهو المدعو إليه بطلب العلم، وهو ما اصطلحنا أن نسميه الاصطباغ في التعلم. ورحم الله من قال: لا يسمى العلم علماً إلا عندما يكون القلب كانطباع البياض في البياض والسواد في السواد. يفكر عقله وينفذ جسده وتنتشي أحاسيسه بسعادة غامرة.

 

الدكتور محمد ابراهيم بدرة

دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.


د. محمد ابراهيم بدره