"ما الشيء الذي يتعلمه الطفل بنسبة نجاح تصل إلى 100% دون أن يعلِّمه إيَّاه أي معلم بالطريقة التلقينية؟".

بدأ مدرب دورة التعلم السريع في اليوم الأول للدورة بإلقاء هذا السؤال على المتدربين، وبعد أن استعرض معهم الإجابات المحتملة، كانت الإجابة التي قدمها المدرب لاحقاً "اللغة". يا لها من إجابة بديهية! لكن كيف يتعلم الدماغ اللغة؟ وما هي الإضافة الحقيقية التي قدمها نموذج تعلُّمٍ مثل نموذج لوزانوف إلى نظريات التعلم؟

نستعرض في هذه المقالة تجربة لوزانوف والنتائج التي خلصت إليها هذه الدراسة، ثم نقارن بين المبادئ التي قام عليها التعلم التقليدي والمبادئ والأسس التي قام عليها التعلم السريع، ونعرض لكم في الجزء الأخير رأي العلم الحديث بالطريقة التي يتفاعل بها الدماغ مع تعلم اللغة منذ الولادة وحتى سن دخول المدرسة.

1. معادلة التعلم:

لا يمكن أن نتحدث عن عملية التعلم دون العودة إلى الدماغ ووظائفه والآلية التي يستخدمها في إدراك البيئة المحيطة والتفاعل معها، ولا بد أن نتناول عدداً من المصطلحات التي يستخدمها الدماغ في عمليات التعلم:

  1. الإدراك: موطنه الدماغ، وهو عبارة عن استقبال الشيء بالحواس ثم استيعابه بصورة كيميائية-حيوية داخل الدماغ، بحيث يكون مؤقتاً وموازياً لما يُسمَّى بالذاكرة القصيرة (الإدراك المؤقت) أو طويل الأمد (الإدراك طويل الأمد).
  2. الذكاء: وليد الإدراك ومؤشر سلوكي عليه، وهو القوة الفاعلة للتعلم والنجاح في تحقيق الآمال والرغبات، والقدرة على حل المشكلات وفهم البديهيات وإنتاج الفكر التأملي.

ينظر العلماء إلى التعلم على أنَّه مفهوم نفسي يحدث نتيجة تغيراتٍ في البناء الإدراكي للفرد، ويُستدَل على وجوده عادةً بمؤشرات سلوكية ظاهرة للعيان في الحياة المدرسية أو الاجتماعية.

يحدث التعلم بتعرض الفرد إلى خبرات حسية في البيئة المحيطة، حيث ينتقل الإحساس -الرؤية، والشم، والسمع، والتذوق، واللمس- عبر الجهاز العصبي الثانوي المتصل بالدماغ، والذي تستقبل خلاياه الإثارات العصبية نتيجة الإدراك، فيحدث التعلم.

ولأنَّ التعلم يعدُّ الوسيلة الوحيدة لنمو الشخصية الفردية بمختلف جوانبها وحاجاتها النفسية والجسمية والسلوكية، يجب أن تكون المعارف والخبرات التي يتعرض إليها الفرد مناسبة لمحتوى بنائه الإدراكي أو قدراته الإدراكية الذكائية.

يقول فيجوتسكي في وصفه التفاعلَ بين الفكر واللغة: "إنَّ معجزة الإدراك البشري هي أنَّ كلَّاً من هذين النظامين يستخدمان الشيفرة اللغوية نفسها، ومن ثم يمكن ترجمة الواحد منهما إلى الآخر بدرجة ما من النجاح".

بناء على كل ما تقدم، يمكننا القول أنَّ النظرة السائدة عن التعلم هي أنَّه نتاج مزيج من الإدراك والذكاء، حيث يُستخدَم الإدراك كشيفرة لغوية للتفاعل مع البيئة المحيطة، وبالتالي فإنَّ معادلة التعلم هي: "الإدراك + الذكاء = التعلم".

2. تفاعل الدماغ مع عملية تعلم اللغة:

الدماغ: إنَّ الدماغَ جزء من الجهاز العصبي المركزي يعمل على تنظيم معظم أعمال الجسم، بدءاً من الأعمال الحيوية كالتنفس وتنظيم ضربات القلب، إلى الأعمال العليا كالتفكير والتذكر والكلام؛ ومن المهمات الأساسية التي يقوم بها باستمرار هي الإدراك والتعلم كجزء هام في فهم علاقتنا بالعالم من حولنا.

اللغة: هي نظام من الرموز والإشارات التي تشكل في النهاية إحدى أدوات المعرف، وإحدى أهم وسائل الاحتكاك والتفاهم والتواصل في شتى ميادين الحياة بين الأفراد في المجتمع، ويتعذر دونها النشاط المعرفي للأفراد.

إنَّه لمن الهام الإشارة هنا إلى وجود فرع خاص من العلوم المتعلقة بدراسة الدماغ يُسمَّى "علم اللغة العصبي"، وهو فرع من العلوم العصبية والمعرفية يهتم بدراسة الظواهر العصبية الثلاث التي ترتبط أو تتحكم باللغة:

  • فهم اللغة.
  • إنتاج اللغة.
  • اكتساب اللغة.

يشير هذا العلم من خلال الدراسات الأولى التي قام بها كلٌّ من الجراح الفرنسي بول بروكا وكارل فيرنيك في بداية القرن التاسع عشر إلى أنَّ اللغة من وظائف نصف الدماغ الأيسر، وأنَّ إنتاج الكلام يتم بالتحديد في "منطقة بروكا" (Broca) التي تقع في الفص الأمامي من الدماغ، حيث تكون مَهمَّة هذه المنطقة الحفاظ على لائحة وأجزاء كلمات تُستخدَم في إنتاج الكلام ومعانيه (أي تعيين المعاني للمفردات التي نستخدمها)؛ وبالإضافة إلى سيطرتها على الكلام المحكي، تسيطر على الكلام المكتوب، وتكون مسؤولة عن إنتاج لغة الإشارة؛ أي أنَّ عمل هذه المنطقة يتعلق بالنطق والتعبير والإنتاج الحركي للكلام.

بول بروكا وكارل فيرني

كل ذلك جنباً إلى جنب مع منطقة أخرى مرتبطة بمنطقة بروكا تُسمَّى "فيرنيك" (Wernicke's)، والتي تقع في نصف الكرة الدماغية غير المهيمنة، ووظيفتها فهم اللغة والأصوات غير اللفظية كأصوات الآلات والضوضاء والحيوانات، واستيعاب التعابير المجازية وأنماط النبرات والتنغيم وأوزان الموسيقى الشعرية.

كان كلٌّ من بروكا وفيرنيك يسعيان إلى فهم العلاقة بين تلف الدماغ واضطراب اللغة؛ حيث استخلصا من تجاربهما أنَّ اللغة هي وظيفة إقليمية محددة في أجزاء أو مراكز أو مواقع محددة من الدماغ.

ما كشفت عنه الدراسات الجديدة التي أُجرِيت في العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين، هو أنَّ اللغة ليست محدودة بمنطقة في الدماغ، وليست محصورة في نصف محدد، بل إنَّ الدماغ ينمو عندما نتعلم لغات جديدة؛ ممَّا يشير إلى أنَّ النظرة الإقليمية إلى التفاعل مع تعلم اللغة قد تغيرت، ليصبح تعلم اللغة من خلال وظائف متعددة تقوم بها مناطق منتشرة في الدماغ تعمل معاً.

ولفهم آلية تفاعل الدماغ مع اللغة، علينا إلقاء نظرة أوسع على الآلية التي يتعلم بها الدماغ اللغة في السنين الأولى من عمر الإنسان؛ حيث يقسِّم علماء اللسانيات مسار تطور اللغة لدى الأطفال إلى ثلاث مستويات مختلفة ومترابطة في الوقت ذاته، وهي المستوى الصَّوتي والمعجمي والنحوي:

في المستوى الصوتي:

وجدت الدراسات أنَّ المواليد الجدد يتمتعون بالقدرة على سماع أصوات الكلام وتمييزها؛ حيث يتعلم الرضيع خلال العام الأول أنماطاً صوتية متمايزة لمجموعة الإشارات الصوتية التي يسمعها كل يوم، حيث توجِّه هذه الأنماط الصوتية تصور الدماغ إلى الأصوات وتصنيفه لها.

على سبيل المثال: يستجيب الطفل لصوت اسمهِ حين تطلقه الأم بصورة مختلفة عن استجابته لشخصٍ غريبٍ كطبيب العائلة؛ أي أنَّ الرضيع يصنع قاموساً من الأصوات في السنة الأولى من عمره يساعده لاحقاً على نطق كلمته الأولى.

وعليه، يُعتقدُ أنَّ الأصوات التي يطلقها الطفل قبل 6 أشهر ما هي إلَّا ضوضاء وصرخات لا تشبه الكلام.

يختبر الرضيع في هذه المرحلة قدرات جهاز النطق لديه (أعضاء النطق هي الأعضاء المسؤولة عن إنتاج الكلام، وتنقسم إلى قسمين: الأعضاء النطقية الثابتة والأعضاء النطقية المتحركة، أما الثابتة فتتضمن الأسنان والفك العلوي واللثة والجدار الخلفي للحلق والأنف، وأما المتحركة فتشمل الشفتين واللسان والطبق والفك السفلي واللهاة والحنجرة والوترين الصوتيين والرئتين والحجاب الحاجز)، بينما يبدأ في الفترة بين 6 إلى 10 أشهر في مرحلة المناغاة، حيث يصدر مقاطع أصوات متكررة، ونجده يستخدم الأصوات والمقاطع نفسها في نهاية عامه الأول لنطق كلمته الأولى؛ فعلى سبيل المثال: يكرر الطفل المقطع الصوتي لحرف (ب) في مرحلة المناغاة، وينتهي بنطق كلمة (بابا) في سنته الأولى.

تعدُّ مرحلة المناغاة مرحلة هامة للرضيع حيث يكتشف العلاقة بين ما يفعله جهازه الصوتي والأصوات الصادرة منه؛ لذلك من الضروري التفاعل مع الرضيع في هذه المرحلة.

حين يكمل الطفل 18 شهراً، يكون دماغه قد شكَّل نظاماً عقلياً لتمثيل أصوات لغته الأم التي يسمعها، وإنتاجها ضمن قيود قدراته العقلية، وجب التنبيه هنا إلى أنَّ الأمر كله يعتمد على اللغة التي يسمعها الطفل في هذه المرحلة التي يصبح فيها إنتاج الأصوات متسقاً عبر كلمات مختلفة؛ ذلك لأنَّ عقله يبني تماثلات صوتية ويؤسس لنظام صوتي للمفردات يتطور لاحقاً مع الزمن والتعليم المنهجي، ويحذر هؤلاء العلماء من تعريض الطفل إلى أكثر من لغة أو لهجة؛ ذلك لأنَّها ستنشئ قاموساً من الأصوات المشوشة، مما يؤثر لاحقاً في تطور قدرته على النطق وتعلم اللغة الأم.

في المستوى المُعْجَمي:

تشير الدراسات إلى أنَّ الطفل يفهم كلمته الأولى وعمره لا يتجاوز 5 أشهر، وينتج كلماته الأولى بين 10 إلى 15 شهر، حيث يصل معدل الكلمات التي ينتجها إلى 50 كلمة ببلوغه سنة ونصف إلى 100 كلمة في نهاية عامه الثاني، ويتسارع تطور تكوين الكلمات لديه ليصل إلى 14000 كلمة في عمر 6 سنوات. تعمل الذاكرة الصوتية للطفل هنا جنباً إلى جنب مع أجزاء أخرى من الدماغ على تعلم الكلمات، فكلمة (تفاح) على سبيل المثال تحتوي أكثر من مقطع صوتي، يبدأ دماغ الطفل في تتبع احتمال ظهور مجموعة هذه المقاطع الصوتية في وقت واحد (كلمة واحدة)، كما يعمل في الوقت ذاته على تقسيم تيار الكلام المستمر إلى كلمات منفصلة؛ فإذا واجه هذه الكلمة للمرة الأولى، لجأ إلى آلية استدلال خارجي يعتمد على البعد الاجتماعي (كأن يسأل أحد الكبار عن معنى هذه الكلمة) أو آلية الفهم الإدراكي (كأن يربط الكلمة بمفاهيم مسبقة لديه، فيربط التفاح بشيء يُؤكَل أو أنَّه من الفواكه)؛ وبذلك نجد أنَّ إنشاء قاموس الكلمات يرتبط ارتباطا وثيقاً بقاموس أصوات الحروف الذي أنشأه للغة محدده (اللغة الأم) في أيامه الأولى، وكلما زادت الخبرات التي يتعرض إليها الطفل، كبُرَ حجم قاموس الكلمات لديه.

في المستوى النَحَوي:

بعد أن يتم الطفل عامين تقريباً، يبدأ وضع كلمتين أو أكثر في جملة قصيرة خالية من الكلمات الوظيفية كحروف الجر، وتفتقر إلى صيغ الجمع والتنوع الزمني؛ حيث يتقن الطفل قواعد لغته من خلال التجربة والخطأ، ويصبح قادراً على إنتاج جمل أطول مكتملة نحوياً، وتطول الجمل لديه قبل بلوغه عامه الثاني وحتى نهاية عامه الرابع؛ وكلما زادت طبيعة وكثافة التنوعات اللغوية التي يتعرض إليها الطفل في هذه المرحلة، أصبح أكثر تمكُّناً من قواعد لغته الأم، ويكون دماغه بذلك مهيأ بمعرفة فطرية- مكتسبة عن بنية اللغة، وتسهِّل هذه المعرفة الأساسية عليه تعلم القراءة والكتابة في المدرسة. هذا وتشير الدراسات المهتمة بتطور البنية اللغوية لدى الطفل إلى أنَّ الأطفال الذين يسمعون مزيداً من الكلام وخطاباً أكثر تعقيداً من الناحية البنيوية، يكتسبون قواعد اللغة بصورة أسرع من الأطفال ذوي الخبرة الأقل؛ كما أنَّ تطور اللغة لا يرتبط بنوع اللغة أو العرق فآليات التعلم هي نفسها، ممَّا يشير إلى وجود أساس بيولوجي لعملية تعلم اللغة.

هذه هي الآلية التي يقدمها العلماء لتفسير قدرة الرضيع على اكتساب اللغة دون أن يعلمها له أي معلم بطريقة تلقينية، وهي تشير بوضوح إلى أنَّ هذه المستويات تعمل على تحفيز نصفي الدماغ الأيمن والأيسر على حد سواء، بل وأكثر من ذلك؛ أشارت دراسة نُشِرت في 2015 إلى أنَّه كلما كان تركيب ألياف العصبونات في المادة البيضاء -نسيج في الدماغ يتركب من ملايين الألياف العصبية، ويُسمَّى أيضاً محاور الخلايا العصبية، والذي يصل الخلايا العصبية ببعضها- أكثر تراصاً بتناسق في الجزء الأيمن من الدماغ، كانت قابلية الشخص لتعلم اللغة أكبر وأسرع؛ حيث يُعتقَد أنَّ دور النصف الأيمن من الدماغ في تمييز وإدراك طبقات الصوت والنغمات المختلفة للغة قوي في المراحل الأولى من عمر الطفل.

ورغم وجود مئات الدراسات حول هذا الموضوع، إلَّا أن وصف الأساس العصبي للغة والكلام لا يزال صعباً.

وظائف الدماغ

يشير الشكل السابق إلى وظائف الدماغ، وتشير الألوان في الشكل إلى المناطق المختلفة في الدماغ التي تتفاعل مع اللغة، سواء عن طريق التحدث أم الاستماع أم الكتابة أم حتى الإشارة في كل من حالة إنتاج اللغة أو استقبالها.

تعمل المناطق في الفصوص الأمامية والجدارية على صياغة ما تريد قوله، بينما تمنحك القشرة الحركية في الفص الأمامي القدرة على نطق الكلمات؛ وبالتالي فإنَّه من المحتمل أنَّ معظم نشاط الدماغ المرتبط باللغة -خاصة الجانب النحوي المرتبط بقواعد اللغة- يحدث في الجانب الأيسر من دماغك.

لقد كشفت طرائق تصوير الدماغ الحديثة أنَّ العديد من المناطق في كلٍّ من الفص الرئيس (الفص الجبهي والجداري والقذالي والصدغي والمخيخ) تشارك في قدرتنا على إنتاج اللغة وفهمها.

3. لوزانوف والتعلم الخارق:

جورجي لوزانوف

جورجي لوزانوف عالم نفس بلغاري، كان يستخدم مقاربة مختلفة في التعامل مع المرضى النفسيين في عيادته، وتمكَّن خلالها من الوصول إلى شيء في عمق العقل لا يصل إليه الإدراك والوعي البسيط، وكان يقدم في مقاربته أفكاراً إيجابية حول الشفاء، مستخدماً في الوقت ذاته موسيقى الباروك لتهدئة أعصاب المرضى في أثناء وجودهم في مكتبه.

اختبر لوزانوف هذه المقاربة في نموذجه لتسريع التعلم، وقام بتجربته المعروفة (التي نشر نتائجها لاحقاً) على 416 طالباً من جامعة صوفيا لتعلم 1600 كلمة باللغة الفرنسية خلال 23 يوماً دراسياً، وجاءت النتائج فيها كالآتي:

  • 88 في المئة من المتعلمين تعلموا الكلمات بنسبة أكبر من 86%.
  • 12 في المئة من المتعلمين تعلموا الكلمات بنسبة تتراوح بين 50% و85%.
  • كان معدل التذكُّر الصحيح للكلمات التي حفظها المتعلمون 93%.

يا لها من نتيجة مذهلة! فأن تتعلم هذا القدر الكبير من الكلمات في وقت قصير للغة أجنبية تتعلمها للمرة الأولى ليس بالأمر العادي، فلو علمت أنَّ ما كان يعتقده الخبراء عن تعلم اللغة الجديدة لا يمكن أن يتجاوز 7 كلمات في الساعة -أي ما يعادل 160 كلمة خلال 23 يوماً دراسياً- لوجدت هذا أمراً مدهشاً، أليس كذلك؟

لقد أظهرت هذه التجربة أنَّه يمكن مضاعفة سرعة التعلم 10 مرات عكس ما كان يُعتَقَد، كما أظهرت النتائج المتتابعة التي أُجرِيت على العينة نفسها لاختبار نسبة الاحتفاظ بالمعلومات بعد نهاية الدراسة ما يلي:

  • معدل نسبة التذكر الصحيح الأصلية 93%.
  • أصبحت بعد مرور 6 أشهر 88%.
  • أصبحت بعد 9 أشهر 85%.
  • أصبحت بعد 12 شهراً 67%؛ وحينما مُنِحت المجموعة فرصة لإجراء مراجعة لمرة واحدة، أصبحت 79%.

يا لها من نتائج مذهلة أن تحتفظ بهذا الكم من المعلومات حتى بعد مرور عام على التعلم! يجدر بنا الإشارة هنا إلى أنَّ التذكر الذي قاسته الدراسة يعني أنَّ على الطالب تذكر معنى كل كلمة قد تعلمها، وأن يكون قادراً على استخدامها ضمن جملة استخداماً صحيحاً.

لقد قدم لوزانوف في كتابه (التعلم الخارق) نموذج التعلم المُسَرَّع في معادلة بسيطة فيها مزيج متقن من موسيقى الباروك والاقتراحات الإيجابية وألعاب الأطفال، والتي تعمل جميعها على تسريع عملية التعلم؛ إذ يقوم التعلم المُسَرَّع (أو التعلم السريع) على استخدام قوة الإيحاء الإيجابي في أثناء عملية التعلم لمضاعفة قدرة استظهار (حفظ) المعلومات، والاحتفاظ بها (تذكرها واستخدامها) لفترة أطول؛ مع العلم أنَّ الهدف الرئيس للتدريس بالطريقة الإيحائية ليس الاستظهار فحسب، بل السعي إلى الفهم العميق وتقديم الحلول الإبداعية للمشكلات من خلال فتح آفاق التفكير لدى المتعلمين.

كان ما قدَّمه لوزانوف في معادلته للتعلم المُسرَّع إضافة مدهشة إلى الدراسات الخاصة بالتعلم من خلال تجربته، حيث كان يُنظَر إلى التعلم قبل تجربته على أنَّه مجرد مسألة عقلية بحتة ترتبط بالإدراك والمنطق واللفظ، وهذه وظائف كان من المعلوم في ذلك الوقت أنَّ الجزء الأيسر من الدماغ هو من يحتكرها؛ إلَّا أنَّ لوزانوف كان له رأي آخر، وهو أنَّ التعلم يعتمد على كلٍّ من العقل والجسد بكلتيهما، ويشمل ذلك العواطف والأحاسيس التي هي بعض وظائف الجزء الأيمن من الدماغ؛ أي أنَّ التعلم عملية شاملة وليست محصورة في جزء محدد من الدماغ أو تفتقر إلى تفاعل العاطفة والجسد؛ فكانت معادلته للتعلم هي: (الإدراك + الذكاء + الجسد + العاطفة = التعلم).

والآن، أنت ترى عزيزي القارئ لماذا يصف لوزانوف التعلم السريع بأنَّه تعلم "طبيعي"، حيث تعتمد معادلته على انغماس الدماغ بالكامل في عملية التعلم، فيما يشبه تماماً حالة الانغماس في اللعب الملاحَظ على الأطفال؛ فهم ينغمسون باللعب بعقولهم وقلوبهم وأجسادهم، ما يقومون به في الحقيقة هو أنَّهم يتعلمون بسرعة عن ذواتهم والآخرين وعالمهم المحيط.

يقودنا هذا المبدأ الأساسي في التعلم إلى مبدأ آخر قدمه لوزانوف من خلال تجربته، وهو أنَّ التعلم يحدث في مستويات عدة في الوقت ذاته، بخلاف ما أُشيعَ سابقاً حول أنَّ التعلم عبارة عن امتصاص واعٍ لأجزاء من المعرفة بصورة متتابعة وخطية.

وعلى عكس ما ظهر في تجربة لوزانوف، وجدنا أنَّ عملية التعلم يمكنها احتواء مجموعة من الأشياء دفعة واحدة؛ فقد استطاع لوزانوف من خلال معادلته البسيطة إدخال المتعلمين في مستويات عدة من ذواتهم دفعة واحدة، بدءاً من المستوى الواعي وغير الواعي عبر الحواس المختلفة، وصولاً إلى الدماغ والجسد؛ فتطورت بذلك معادلة التعلم لتصبح بالشكل الآتي: (الإدراك + الذكاء + الجسد + العاطفة = التعلم في المستوى الواعي واللاواعي).

بذلك نستطيع القول أنَّ لوزانوف قدم افتراضات جديدة على الطريقة التي يتعلم ويتفاعل بها الدماغ مع محيطه الداخلي والخارجي، وأثبت صحة هذه الافتراضات من خلال تجربته.

الخلاصة:

يمتلك الدماغ إمكانات مازلنا نجهلها حتى اليوم، ويعوق التمسُّك بفكرة قديمة أو نظرية محدده قدراتنا كبشر على اكتشاف هذه الإمكانات والاستفادة منها في تطوير التعلم والتعليم، بما يتناسب والطريقة التي صُنِع بها الدماغ لمساعدتنا على الإدراك والتعلم عن بيئتنا الخارجية والداخلية.

نشر المقال لأول مرة في موقع النجاح نت للكاتبة المدربة سميه الشمري

المراجع: