تتعالى الأصوات مع بداية العام الدراسي متسائلة عن جدوى ذهاب الأطفال إلى المدارس في عصر باتت فيه المعلومات والمعارف متاحة للجميع، وبضغط الزر يمكن لأيِّ شخص الوصول إلى بحر من المواقع التي تقدِّم محتوى تعليمياً متنوعاً، ولجميع الأعمال وفي كل المجالات، وبأسعار تكاد تكون متاحة للجميع، ناهيك عن المنصات المجانية منها، فلماذا ما نزال نرسل أبناءنا إلى المدرسة؟

الحاجة إلى المعرفة مقابل تقييم المعرفة:

عالمهم صغير، وخبراتهم قليلة ومحدودة، هؤلاء هم أطفالنا وهم بحاجة إلى أن ندرك ما يحبون وما لا يحبون، وأن نعرف صفاتهم التي تميزهم ومتطلباتهم المتنوعة، وقبولهم كما هم، وفي كل الأوقات هذا ما يجعلهم يشعرون بالأمان، ويساهم مساهمة أساسية في بناء ثقتهم بذاتهم وتطوير مفهوم صحي عن ذواتهم.

تُعدُّ التجارب الأولى للأطفال مع المحيط الخارجي حجر الأساس في نموهم جسدياً ونفسياً وسلوكياً؛ ومن ثَمَّ تحدد هذه التجارب جودة حياتهم وشخصياتهم، وعافيتهم العاطفية والاجتماعية والبدنية.

إنَّ ما يقود إلى بناء هذه الشخصية المتعافية هو مدى صحة البيئة التي ينشأ فيها الأطفال، وفضول مقدمي الرعاية (سواء الأبوين أم من ينوب عنهم كالمعلمين في مراحل متقدمة من أعمارهم) لرصد سلوكات الأطفال وفهمها وفقاً لمراحل النمو المختلفة التي يمر بها الأطفال؛ إذ يُعدُّ عاملاً هاماً في اختيار الأنشطة وتصميمها وتقديمها، والتجارب التي يفضل الأطفال الانخراط بها بالشكل الذي يسمح لهم فهم المشكلات والتحديات الحياتية، من خلال سياقات ينغمس فيها الأطفال في تعلُّم الحقائق وممارستها، وإيجاد الحلول التي تتناسب مع واقعهم.

7 نصائح يقدمها الخبراء للمعلمين لبناء بيئة تعلُّم صحية لهم:

كونك معلماً فهذا يعني أنَّك تشارك في بناء العالم الداخلي لهذا الطفل، وتُعدُّ البيئة التعليمية الصحية التي يُصممها المعلم داخل الصف مُناخاً مُلائماً لنمو شخصيات الأطفال، وتلبية احتياجاتهم النفسية بالدرجة الأولى قبل كل شيء، كتعزيز النظرة الإيجابية للذات، وبناء احترام صحي للذات وللآخرين بناءً أكثر اتزاناً، وغرس مهارات التواصل والتعاطف، وبناء أساس قوي لاكتساب الأخلاق الحميدة كالصدق والأمانة والرحمة.

إليك أيُّها المعلم سبع نصائح من الخبراء تساعدك على بناء بيئة صحية لتعليم الأطفال، توفر لهم الفرصة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً وعلاقات أكثر قوة:

1. الملاحظة:

بإمكان المعلمين ملاحظة سلوكات الأطفال، ومراقبتها داخل الصف وخلال أوقات الاستراحة واللعب مع بقية الأطفال، وتفاعلهم مع بقية الأطفال والكبار في المواقف المختلفة، مما يساعدهم على رصد صفات من مثل المرونة لتجربة أمور جديدة أو تفضيل مشاركة الآخرين التعلم واللعب، وقدرتهم على ضبط انفعالاتهم والتعاطف مع الآخرين عند تغيُّر أمزجتهم.

2. مشاركتهم وقضاء وقت ممتع معهم:

إنَّ بناء بيئة تعلُّم ممتعة هو أمر أساسي في نموذج التعلم السريع؛ فهي البيئة التي تسمح للمعلم والمتعلمين أن يقضوا وقتاً ممتعاً، ينفتح خلاله الأطفال للحديث عن تجاربهم الشخصية ومشاركتها مع الآخرين، مما يُسهم في تعزيز استراتيجية التعلم بالأقران داخل الصف، وفي الوقت ذاته يمنح المعلم الفرصة للتعرف إلى الأطفال؛ ما الذي يثير حماستهم؟ وما الذي يحبطهم؟ وما الذي تعلَّموه خلال تجاربهم المختلفة داخل الصف وخارجه.

هذه البيئة تساهم في تقوية الروابط الاجتماعية والعاطفية بين المتعلمين، وكذلك بين المتعلمين ومعلميهم، وهذا أمر في منتهى الأهمية بالنسبة إلى المتعلم الذي لن يهتم بالاستماع إلى ما لدى المعلم حتى يعرف أنَّ معلمه مهتم به، وهذا ما أكدته تجارب عدة عن أثر العاطفة الإيجابية في تعزيز تعلُّم المتعلمين.

كما تساهم هذه البيئة في تقديم قواعد التواصل في سياقات مختلفة، وتساعد على بناء صورة إيجابية عن الذات لدى المتعلمين؛ ومن ثَمَّ بناء الثقة بالذات، وتعلمهم كيفية إظهار الاهتمام والاحترام للآخرين من خلال الاستماع لهم، والتواصل معهم في سياقات متنوعة.

3. الإنصات باهتمام:

من التحديات التي يواجهها الكبار في التواصل مع الأطفال هو عدم قدرة الأطفال على التعبير عن أنفسهم بوضوح؛ لذلك من الهام للمعلم أن ينتبه إلى الإشارات غير اللفظية من إيماءات وتعبيرات جسدية ونغمة أصواتهم والعبارات التي يكثرون استخدامها؛ فالإنصات باهتمام يعلِّمهم أنَّك مهتم بهم، ويشجعهم على التحدث إليك ويعزز الروابط بينكما، ويؤدي في النهاية إلى أن يقود المتعلم الحديث دونما أيِّ توجيه لأفكاره من طرف المعلم.

4. السماح لهم بالتعبير عن مشاعرهم بحرية:

يُعدُّ نشاط التعبير بالرسم من الأنشطة المفضلة لدى الأطفال، وأقوى الأنشطة التي تساهم في تشجيع الأطفال على التعبير عن تجاربهم ومشاعرهم بحرية وانفتاح؛ لذلك يشجع الخبراء المعلمين على استخدام أنشطة إيقاعية وفنية لمساعدة الأطفال على التعبير عن ذواتهم وتجاربهم وعواطفهم بحرية وانفتاح خلال العملية التعليمية.

قد يختار بعض الأطفال في الأعمار المتقدمة التعبير كتابياً عن ذواتهم من خلال كتابة اليوميات أو نظم أبيات من الشعر أو النثر، وكتابة القصص الخيالية، وبإمكانك تشجيعهم على تدوين يومياتهم، والتركيز على رصد سلوكاتهم وأفكارهم ومشاعرهم في مواقف معينة خلال يومهم، أو حتى تقديم الكُراسات لهم لتدوين إبداعاتهم الأدبية؛ إذ تساهم عملية التدوين الكتابي في تقييم المواقف الحياتية بنظرة أكثر موضوعية ومنطقية (ربما يحتاج بعض الطلاب إلى الدعم الخارجي من متخصص لإتقان هذه المهارة).

5. طرح أسئلة تشجعهم على التواصل:

إنَّ عالم الطفل الداخلي هو عالم غني بالخيال والإبداع، تساعده الأسئلة المفتوحة على إتاحة الفرصة للأطفال للتعبير عما يدور في رأسهم، ومشاركة مشاعرهم العميقة، ويكمن التحدي الحقيقي في قدرة المعلم على بناء الألفة مع الطفل من خلال التفكير، مثل الأطفال في أثناء التحدث إليهم، أو مشاركتهم نشاط معين خلال اليوم الدراسي، دونما تحجيم تفكيره، في النهاية لدى الأطفال طريقة مختلفة عن الكبار في رؤية العالم الخارجي والداخلي.

6. إظهار التعاطف:

قد ينقلب مزاج الأطفال فجأة من قمة السعادة والاندماج إلى الانزعاج، وربما البكاء لأسباب قد يراها بعض الكبار تافهة، على المعلم أن يأخذ مشاعر الأطفال على محمل الجد، فهذا يُظهر له أنَّك تحترم وجهة نظره؛ فمشاركته حزنه على انسكاب الطلاء على لوحته التي بذل جهداً ووقتاً في إتمامها هو أمر داعم بكل تأكيد بالنسبة إليه، وإنَّ مشاركته تعاطفك سيخلق رابطاً قوياً يؤكد له أنَّ تجربته الخاصة ذات قيمة وأنَّك تحترمها.

7. فهم مزاج الأطفال:

حين ينظر المعلم إلى كل طفل على أنَّه شخصية متفردة، لها صفاتها المميزة ونقاط قوتها ومزاجها الخاص وطريقتها الخاصة في التعامل مع العالم، فإنَّه سيفهم لماذا يتحلى بعض الطلاب بالمرونة لتجربة أشياء جديدة، وآخرون أكثر ميلاً لتكرار التجارب والأمور المعتادة، هذا سيمنحه منظوراً مختلفاً عند الإعداد للأنشطة المصاحبة للمواد التعليمية.

المصادر: