يقوم الدماغ بمعالجة المعلومات بطريقتين مختلفتين، حسب الجهة التي تجري فيها المعالجة، أي في الدماغ الأيسر أو في الدماغ الأيمن، إلَّا أنَّ لدى غالبية البشر ميلاً إلى معالجة المعلومات باستعمال الجانب المسيطر، أو باستعمال الجانبين الأيسر والأيمن في المعالجة على نحو متوازن سيؤدي إلى تعزيز عمليتي التعلُّم والتفكير وتحسينهما، وهذا يتطلَّب تقوية الجانب الأقل سيطرة من الدماغ، وسنستعرض فيما يأتي كيفيَّة معالجة المعلومات في كل من نصفي الدماغ الأيسر والأيمن، ليتمكَّن القارئ من تحديد نمطه الأقل سيطرة.

المعالجة التركيبيَّة مقابل المعالجة التحليليَّة:

يعالج الدماغ الأيسر المعلومات بطريقة تركيبية، منطلقاً من الجزء نحو الكل، فيأخذ الأجزاء، ليرتب المقدمات ترتيباً منطقياً، ثم يقوم بعمليَّة الاستنتاج، وهذا النمط مسيطر وشائع لدى الأكثريَّة. أما الدماغ الأيمن، فيعالج المعلومات بطريقة تحليليَّة، إذ يتناولها في البدء ككل، ثم يجزئها، فهو يبدأ من الصورة الشاملة، ثم يحلل عناصرها. إنه يحلل الجواب أولاً، ولذلك، إذا كان المرء يميني الدماغ، فقد يكون لديه صعوبة في متابعة موضوع أو محاضرة، إلا إذا أعطي الصورة الكبيرة أولاً، فعليه أن يحصل على خلفية للموضوع قبل مناقشته أو دراسته، لأنه الشخص الذي إذا طلب منه عمل ما، فإنه يريد أن يعرف الغاية.

المعالجة العشوائيَّة مقابل المعالجة التسلسليَّة

تعالج المعلومات في الدماغ الأيسر معالجة متسلسلة ومتعاقبة، ويميل الشخص ذو النمط الأيسر إلى إعداد قائمة بحاجاته أو برنامج دراسته أو مخطط نشاطاته اليوميَّة، كما أنه ينهي مهماته مرتبة بحسب الأوليَّة، ويستمتع بمراجعتها بعد إنجازها. ويمكن لهذا الشخص أيضاً أن يتعلَّم تهجئة المفردات اللغوية والمسائل الرياضية بسهولة بسبب التعاقب والتسلسل فيها. أما مقاربة الشخص ذي النمط الأيمن فهي مقاربة عشوائيَّة، يتطاير من فكرة إلى أخرى، وربما متجاوزاً الأوّليات. فوظائفه إن كان طالباً تكون عادة متأخرة أو ناقصة، لا لأنه لا يعمل، بل لأنه منهمك قي عمل آخر، وهو جاهز للعصيان إن طلب منه تنظيم برنامجه ووقته. إذا كان المرء طالباً من هذا النمط، فإن أمله في النجاح يتوقف على تعويد نفسه أن يضع برنامجاً لدراسته ووظائفه، وأن يستعمل القاموس في كتابته، ويمكنه استعمال الألوان، لأن الدماغ الأيمن حساس لها لتسهيل دراسة الأفكار التي تحتاج إلى تسلسل.

المعالجة الرمزية مقابل المعالجة الحسيَّة:

ليس هناك مشكلة في معالجة الرموز ضمن الدماغ الأيسر، وبما أن العديد من النشاطات الأكاديمية تتعامل مع الرموز كاللغات والرياضيات، فإن الشخص ذا النمط الأيسر يشعر بارتياح في حفظ المفردات وقوانين الرياضيات، أما الدماغ الأيمن فيحب فهم الأشياء والأفكار فهماً ملموساً مادياً، فالشخص يميني الدماغ يريد أن يرى ويلمس، ولذلك كثيراً ما نجد لدى هؤلاء الأشخاص صعوبة في فهم المفردات الأجنبية المسموعة، ويُفضِّلون رؤية المفردة في النص، كما يودون أن يشاهدوا كيف تعمل القوانين. وإذا كان المرء من النمط اليساري، وأراد تدريب دماغه الأيمن، فعليه القيام بالنشاطات اليدويَّة، ورسم المسائل الرياضية، واستعمال الوسائل الإيضاحية.

المعالجة المنطقيَّة مقابل المعالجة الحدسيَّة:

عندما يعالج الدماغ الأيسر قضية ما، فإنه يتناول المعطيات قطعة بعد قطعة تناولاً منطقياً، حتى يصل إلى الجواب، كما في حل مسألة رياضية أو في تطبيق تجربة علميَّة، وينتبه في أثناء الكتابة للإملاء وعلامات الترقيم، أما الدماغ الأيمن فتعتمد معالجته على الحدس أو البديهة، فالشخص يميني الدماغ يعرف الجواب الصحيح أحياناً لمسألة، دون أن يكون متأكداً كيف حصل عليه، وربما بدأ من الجواب وحل السؤال بالمقلوب، وهؤلاء الأشخاص لديهم شعور بالجواب الصحيح، وعادة يكونون على حق، فالدماغ الأيمن يبحث عن المعنى على نحو دائم.

المعالجة الشفهيَّة مقابل المعالجة اللاشفهيَّة:

يعبر صاحب الدماغ الأيسر عن نفسه باستعماله للكلمات دون صعوبة، لكن يميني الدماغ، على الرغم من معرفته للمعنى، فإنه يَعُدُّ إيجاد الكلمات الصحيحة أمراً صعباً، والمثال الآتي يُوضِّح الفرق: إذا سألت الأول ليدلك على مكان ما، فسيقول مثلاً: (اسلك هذه الطريق مسافة ثلاثة كيلومترات، ثم انعطف إلى اليمين مسافة كيلومتر واحد)، أما الثاني فسيقول مثلاً: (تذهب من هنا - مشيراً بيده - حتى تقطع البناء الذي هناك - مشيراً بيده مرة أخرى- وهكذا إلى أن تجد محطة بنزين، وعندئذ تنعطف إلى اليمين...). إذاً، فالأشخاص أصحاب الدماغ المسيطر الأيمن يحتاجون دوماً إلى معلومات مدعومة بالصور البصريَّة أو المكتوبة، كي يسهل عليهم حفظها وتذكرها.

المعالجة الخيالية مقابل المعالجة الواقعيَّة:

يتعامل الجانب الأيسر من الدماغ مع الأشياء بالطريقة التي هي عليها في الواقع، وعندما تتغير ظروف البيئة يقوم يساريو الدماغ بالتكيف والتأقلم معها، ويريد هؤلاء الأشخاص معرفة القواعد واتباعها، وإذا لم يكن هناك قواعد، فإنهم يخترعونها. إنهم كطلاب، يعرفون عقابيل عدم كتابة الوظائف في وقتها وعقابيل الرسوب. أما أصحاب الدماغ الأيمن، وعند تغير ظروف البيئة، فإنهم يحاولون تغييرها، وهم كطلاب لا يعون المشاكل المترتبة على ذلك عندما لا يكتبون الوظائف في وقتها أو عقابيل الرسوب، وإذا كان المرء كذلك، فعليه أن يتفحص الواقع دائماً، ويطلب التغذية الراجعة من أستاذه وممن حوله، وألا يؤجل إنجاز الواجبات إلى اللحظة الأخيرة، وأن يدون مواعيد الوظائف والامتحانات.

وفي حين أن المنحى الخيالي للأشخاص ذوي الدماغ الأيمن المسيطر يبدو ضاراً، إلا أنه يكون حسناً ونافعاً في بعض الحالات، فالطالب يميني الدماغ شخص مبدع، وكي يدرس جهاز الهضم مثلاً، قد يُقرِّر أن يصبح قطعة من الطعام إن أكثر الاستراتجيات المستخدمة في التعليم تعتمد على النمط الأيسر للدماغ، ولذلك من الطبيعي أن يشعر الأشخاص أو الطلاب ذوو سيطرة الدماغ الأيمن بعدم التلاؤم. ومع ذلك، فإن المرونة وفهم النمط الأيسر سيساعد الدماغ الأيمن على التكيف، وبالمثل يمكن القول لأصحاب الدماغ الأيسر المسيطر: إنه من الحكمة استعمال جانبي الدماغ، واستخدام بعض استراتجيات الدماغ الأيمن.

ملاحظة أخيرة:

تتعالى الآن في الغرب، وتحديداً في الولايات المتحدة، الأصوات المطالبة بضرورة إعداد منهاجين دراسيين اختياريين، يؤخذان في الحسبان التفاوت بين البشر، وانقسامهما إلى مجموعتين متمايزتين، وفقاً لأي فص دماغي تكون الغلبة، ويرى أصحاب هذه الأصوات أن المناهج الحاليَّة منحازة إلى من لديهم غلبة لفصهم الأيسر، مما يسبب غبناً دراسياً واجتماعياً لمن لديهم غلبة للفص الأيمن.