إليزابيث جندرسون هي عالِمة نفس في جامعة تيمبل قامت بدراسة تأثير نوعين مختلفين من المديح على 53 طفلاً، قُسِّم الأطفال إلى مجموعتين، كان تركيز العبارات المقدَّمة للمجموعة الأولى على جهد الطفل، فيما كان تركيز العبارات للمجموعة الثانية على قدرات الطفل.

تضمنت عبارات المديح الذي ركز على جهد الطفل جملاً من مثل: "لقد عملت جاهداً على هذا الأمر"، و"لقد ثابرت بهذا الأمر حقاً"، و"أحسنتَ عملاً"، بينما ركزت عبارات المديح على قدرة الطفل على جمل مثل: "يا لك من طفل ذكي!"، و"كم أنت موهوب!"، و"أنت بارع في هذا الأمر، أليس كذلك؟".

كشفت الدراسة خلال متابعة هؤلاء الأطفال أنَّ المجموعة التي تلقت المديح لجهدها، مالت إلى أن تكون أكثر إصراراً على المثابرة في حل المشكلات، فيما استسلم الأطفال الذين تلقوا المديح الموجه إلى قدراتهم بسرعة.

إنَّ ما يقوله المعلم وما يفعله داخل الصف خلال تفاعله مع المتعلمين يعكس معتقداته الشخصية عن ذاته وعن المتعلمين والعملية بكاملها، فما هي المعتقدات؟ وكيف تشكِّل عالم المعلم؟ وكيف لها أن تساهم في نجاح المتعلمين أو فشلهم؟

المعتقدات تشكِّل عالمنا:

إنَّ المعتقدات هي القواعد التي نحيا بها، وهي أفضل ما نمتلكه من المبادئ التي وضعناها لأنفسنا بناءً على خبراتنا الشخصية المتعلقة بالكيفية التي يسير بها العالم؛ ومن ثَمَّ هي ليست حقائق؛ بل مجموعة أفكار استمررنا بتكرارها عما هو ممكن وغير ممكن لنا وما نستطيع فعله وما لا نستطيع فعله، والعجيب أنَّنا حينما يثبت لنا من خلال تجاربنا الشخصية صحة معتقدنا نشعر بالرضى والثقة في أفكارنا وفي أنفسنا، وتتحول معتقداتنا إلى نبوءات تحقق ذاتها.

على سبيل المثال يعتقد معظم المعلمين بأنَّ لديهم الفهم الكافي للمعلومات التي يقومون بتدريسها لسنوات طويلة، إلا أنَّ معلومات كثيرة لا يدركها المتعلمون، وعلى الرَّغم من نتائج التعلم المخيبة للآمال، والتي يحصل عليها المعلم في كل مرة، لم يفكر معظم المعلمين بإعادة النظر في الأساليب التي يتبعونها؛ فمعتقداتهم عن ذواتهم والمتعلمين شكَّلت لهم عالمهم الذي يتحركون في داخله.

بالمثل يمتلك المتعلمون معتقدات مقيدة عن أنفسهم والمعلمين والمدرسة والعالم حولهم؛ فالمتعلم الذي لديه معتقد بأنَّه غير قادر على النجاح في الرياضيات، وأنَّها لم تُصنع له، وخاصة هؤلاء الذين يختبرون تجربة إعادة المرحلة الدراسية بسبب الفشل في تحقيق نسبة النجاح في مادة محددة (كالرياضيات أو اللغات أو العلوم)، غالباً لن يحاولوا بذل أيِّ جهد لاختبار معتقدهم، هؤلاء غالباً يخسرون عاماً دراسياً آخر يؤكد لهم صحة معتقدهم المعوق عن ذواتهم.

توقعات المعلم عائق أمام نجاح المتعلمين:

إنَّ معتقدات المعلم تُشكِّل توقعاته عن المتعلمين، وتحدد أهدافه التعليمية تحديداً غير واعٍ في الغالب، ويكون لها تأثير كبير في تحفيز المتعلمين؛ فهي تمارس نوعاً من الاندفاع البنَّاء للمتعلمين في حال كانت مناسبة، وبخلاف ذلك إذا لم تكن متكيفة مع ميولهم وتوقعاتهم ومستوياتهم، فسوف تولِّد نوعاً من الإحباط والملل، فإذا حدَّد المعلم أهدافاً صغيرة وقريبة من مستوى قدرات المتعلم، لكن مع شيء من التحدي، فإنَّ تحفيز الطالب وإشراكه في عملية التعلم ستستمر وستنتج تقدُّماً ثابتاً.

لأنَّ الأهداف بعيدة الأمد جداً، أو الأهداف التي تكون أقل من المستوى الفعلي للمتعلم، تصيب المتعلم بالملل والإحباط، وسينخفض الجهد الذي يبذله المتعلم ويتراجع أداؤه، كما أنَّ التوقعات غير المتناسبة مع مستوى المتعلمين الفعلية، تؤدي إلى وضع أهداف غير واقعية تتطلب وقتاً طويلاً لتحقيقها، وعندها يعرف المتعلم أنَّ قدراته لا تساعده على النجاح في بلوغ هذه الأهداف، فيستسلم ويتراجع.

في الوقت ذاته على المعلم أن يتذكر دائماً بأنَّ المتعلمين ليسوا جميعهم بالمستوى نفسه في الفترة نفسها؛ لذلك من الجيد لو تمكن المعلم من العمل على موافقة الأهداف وفق كل متعلم على حدة؛ لذلك إذا وجد المعلم أنَّ المنهج الدراسي يقدم أهدافاً أو توقعات لا يمكن اتباعها، عليه تكييف هذه الأهداف وموافقتها مع حاجات المتعلمين الذين يواجهون صعوبات تعليمية، ويحدِّد لهم أهدافاً قصيرة الأمد وواقعية متوافقة مع مستواهم الفعلي؛ فالمناهج الدراسية وُجدت لمساعدة المعلمين على تنظيم تسلسل المادة الدراسية، لا أن يجعلها المعلم أداة تعذيب للمتعلمين.

ثم إنَّ المعلم له دور في تعليم المتعلمين استراتيجيات تساعدهم على تعلُّم المنهج الدراسي، ليتمكنوا من استخدام الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات والصعوبات التي يواجهونها خلال العملية التعليمية، كما عليه أن يراقب استمرارهم في النجاح من خلال التقدم في تحقيق الأهداف الصغيرة إلى التفوق على ذواتهم؛ فكثير ما يفاجئنا المتعلمون بوصولهم إلى مستويات لم يكن المعلم يتصوَّر أن يتمكنوا من الوصول إليها.

من الخطر وضع أهداف غير واقعية لفترة طويلة للمتعلمين؛ لأنَّها تؤدي إلى أن يفقد المتعلم الثقة بكل شيء، ولم يَعُد يؤمن بمستقبله ولا بالنوايا الحسنة للكبار، كما أنَّه ليس لديه ما يخسره، فيصبح متمرداً وجانحاً، ففشله لا يمثله بل يمثل النظام التعليمي البائس الذي قاده إلى التمرد، وعندها يصبح من الصعب جداً إنقاذه أو استعادته.

التوقعات الإيجابية:

أثبت كل من "روزنتال" و"جايكوبسون" أنَّ التوقعات الإيجابية تؤدي إلى نتائج إيجابية والتوقعات السلبية تؤدي إلى نتائج سلبية، وأطلقا على هذا الأمر اسم "تأثير بجماليون" أو (النبوءة ذاتية التحقق)؛ من ثَمَّ فإنَّ المعتقدات؛ معتقدات المعلم والمتعلم تُشكِّل أداة ذات حدَّين؛ فهي ستبني بيئة داخلية وخارجية صالحة لنمو المتعلمين نفسياً وعاطفياً تساهم في تعزيز التعلم أو ستتحول إلى بيئة مدمرة للجميع، وهنا يشدد الخبراء على بعض النقاط فيما يخص موضوع التوقعات:

  • أخبر بوضوح جميع المتعلمين بأنَّك تثق بقدرتهم على التفوق.
  • أخبر جميع المتعلمين بثقتك بقدراتك التعليمية الفعالة.
  • أخبر جميع المتعلمين بثقتك في تطبيقات المتعلمين السابقين الناجحة لما تعلموه في الصف على العالم الحقيقي.
  • قاوم رغبتك في التخلي عن بعض المتعلمين، واحتفظ بتوقعات كبيرة عن كل واحد منهم، وتذكَّر قد يكون لديك متعلمون لم يسمعوا في حياتهم سوى كلمة الفشل؛ لذا لا تفقد الأمل إن لم تتمكن من التأثير فيهم فيما يتعلق بثقتهم بأنفسهم، فإن عاملهم عدد كاف منا طبقاً للتوقعات الإيجابية، فسنزيد فرص نجاحهم.
  • اقرأ كتاب توماس كونيلان (Brining Out the Best in Other) من أجل الحصول على مقترحات لتوظيف التوقعات الإيجابية في إنشاء بيئة تعلُّم إيجابية.

في الختام:

في الدراسة التي بدأت بها هذا المقال، قامت جندرسون بربط النتائج التي لاحظتها على سلوك الأطفال بنظرية "كارول دويك" عن العقلية الثابتة وعقلية النمو؛ فأظهرت دراستها أنَّ مدح العملية الهادف إلى تعزيز جهد الطفل ينتج مزيداً من المثابرة، في حين أنَّ مدح القدرة يثني الطفل عن المحاولة بجهد أكبر في الواقع؛ لأنَّ الطفل يعتقد أنَّ بذله مزيداً من الجهد لن يزيد قدرته، وهنا على المعلمين أن يكونوا أكثر حذراً عند تعزيز سلوك المتعلمين في الصف؛ لأنَّ الأطفال غالباً يتبنون آراء الكبار على أنَّها حقائق عن ذواتهم؛ ومن ثَمَّ استخدام العبارات التي تمدح الجهد الذي يبذلونه في حل المشكلات وتحقيق النجاحات الصغيرة التي يحققها المتعلمون ستساهم وفقاً لدراسة جندرسون في استمرار الأطفال في التعلم والمثابرة لتحقيق النجاحات المتتالية؛ ومن ثَمَّ تتحقق لديهم مشاعر الثقة بالذات، ويكتسبون السمات الشخصية التي ستجعلهم ناجحين في المستقبل.

إنَّ القدرة على رؤية الأمور بمنظور الآخرين أمر ضروري للتأثير فيهم، وهنا ينشأ التوافق بيننا وبين الآخرين، كما أنَّ الابتهاج وإظهار المشاعر الإيجابية واستخدام اللهجة الودية والسلوكيات الداعمة كالإيماء بالموافقة أفضل بمرتين من استخدام نبرة سلبية؛ إذ تؤكد باربرا فريدريكسون- إحدى كبار الباحثين في مجال الإيجابية في جامعة كارولينا الشمالية أنَّ "المشاعر الإيجابية تجعل الفرد أكثر انفتاحاً في اتخاذ التدابير المناسبة، وتجعلنا أكثر وعياً بنطاق أوسع من الأفكار، كما تجعلنا أكثر تقبلاً وإبداعاً".

المصادر:

  • كتاب التعلم السريع – أطلق الطفل الذي بداخلك، تأليف الدكتور المعمار محمد إبراهيم بدرة.
  • الكتاب العملي في البرمجة اللغوية العصبية، جوزيف أوكونر.
  • تقنيات البرمجة اللغوية العصبية في مجال التربية والتعليم، آلان تيري.
  • دليل المالك للمخ- أحدث دليل للوصول بالأداء العقلي الى ذروته لكل الأعمار، الدكتور بيرس جيه. هاوارد.