يُقال إن الذكاء الثقافي يبدأ حيث ينتهي الذكاء العاطفي، إذ يمتلك أي شخص يتمتع بقدرٍ عالٍ من الذكاء العاطفي السمات المشتركة بين البشر والسمات التي تميز الفرد من الآخرين. أما الشخص الذي يتمتع بقدرٍ عالٍ من الذكاء الثقافي فيستطيع أن يستخلص من سلوك الفرد أو الجماعة تلك الخصائص التي تشكل قاسماً مشتركاً بين الأفراد والجماعات، وتلك الخصائص غير العامة وغير الخاصة في الوقت نفسه. فالمجال الشاسع بين هذين القطبين هو الثقافة.

من معالم التعلُّم السريع، أو من أدواته المنهجيَّة دفع المُتعلِّم إلى قبول الآخر، أي إلى قبول كل ما يقال له ولو تعارض مع أفكاره ومبادئه وحتى قيمه. إنها روح التعلُّم السريع، الروح الطفولية القابلة للسمات المشتركة بين البشر بكل تلقائيَّة. فهي أداة منهجيَّة تمكن من تنميَّة الذكاء الثقافي لدى المُتعلِّم. وهو الشيء الذي سيمكنه من اكتساب هيئة سلوكيَّة قابلة لامتصاص أكبر قدر ممكن من المعلومات من أكبر عدد  من الأشخاص المرحب بهم في التعامل والتفاعل  إلى أقصى حد في السمات المشتركة بينه وبينهم.

فبما أنّ النجاح في العلاقة مع الآخر يساعد على اكتساب المعرفة اللازمة للتعامل الناجح مع مختلف الثقافات يحتم الوعي بأن بمدى مساهمة التعلُّم السريع في نشأة الإنسان الكوني الذي لا تحده الحدود الثقافيَّة. فمنهجيَّة روح الطفولة التي تشكل إستراتيجيته البيداغوجيَّة ستساهم في تنميَّة الذكاء الثقافي للمُتعلِّم ومن ثمَّ تنميَّة مقدرته الفطرية على تقبل ثمّ  تفسير إشارات شخص ما بالطريقة التي يدرك فيها مواطنو ذلك الشخص وأقرانه تلك الإشارة. لأنّ لكلِّ وحدة وقسم ومهنة ومنطقة جغرافيَّة مجموعة من الآداب والمعاني والخلفيات التاريخية والقيم التي تُسبِّب ارتباكا للوافد الجديد، وتكون حجر عثرة في طريقه ما لم يتحل بقدر عال من الذكاء الثقافي. وبالعكس قد يتحوَّل الذكاء الثقافي المتدني إلى نقطة ضعف ملازمة، ويكون سبباً في تكوّن مصاعبه التواصلية التي يواجهها وذلك على مستوى المُكوَّنات الثلاثة للذكاء الثقافي: المُكوَّن الإدراكي والمُكوَّن المادي(الجسدي) والمُكوَّن العاطفي/الدافعي. وعليه فإن الذكاء الثقافي منبعه الجسد والقلب والعقل. وعلى الرغم من اختلاف شدة هذه المُكوَّنات عند البشر، فإنّه لاغنى لكل ملكة عن الملكتين الأخريين.

فأنشطة التعلُّم السريع كمنهج تستحسنهُ  مناهج التدريب تُمكِّن المُتعلِّم من التسلح بما يسمى استراتيجية  التعلُّم ومن ثمَّ تهيئه لمواجهة جميع الحالات التي تصادفه من الثقافات المغايرة ومن ثمَّ سهولة تبين السبيل إلى نقاط التلاقي بين الثقافات. لأن قدرتنا على تقمص عادات وحركات الناس من حولنا سؤكد لهم أننا نحمل احتراماً لهم بالحد الذي يجعلنا راغبين في أن نكون مثلهم. وبالقدرة على تبني عادات الآخرين وسلوكياتهم يصل المرء في نهاية المطاف إلى فهم جوهري للمعنى والقصد من السلوك، وتزداد في المقابل ثقثهم به. فعلى المُدرِّب الذي يتبنى التعلُّم السريع في مناهجه التدريبيَّة أن يستحضر التقنيات التدريبيَّة التي تزيل كل الحواجز والمعيقات، والتي تشكل ما يسمى في منهج التعلُّم السريع أمراض التعلُّم- ليمكن مُتدرِّبيه من التأقلم مع الثقافات الجديدة.      

كوفسكي- ترجمة. محمد مجد الدين باكير- الذكاء الثقافي- كريستوفر إيرلي وإيلاين موزا.