"يتحقق التعلم بسرعة أكثر عندما يصطبغ المُتعلم بالعملية التعليمية، وكلما استمتع المُتعلم بالعملية التعليمية كان الاصطباغ أنجح؛ ومن ثَمَّ يتحقق التعلم، "والمقصود بالاصطباغ في التعلم هنا؛ أي أن يكون الوضع النفسي والشعوري والجسدي والعقلي بعيش هاجس العلم والعمل معاً، هنا يصبح التعلم موفقاً أكثر؛ فالعقل في هذه الحالة يفكر والجسد ينفذ والأحاسيس تنتشي بسعادة غامرة.

كيف يمكن للمعلم اليوم أن يختلق هذه الحالة للمتعلمين خلال مرورهم بالعملية التعليمية؟ هل العملية التعليمية قائمة على أسس إنسانية تسمح للمتعلمين بعيش هذه الحالة الإيجابية تجاه التعلم؟ كيف يمكن للمعلم أن يعيد بناء علاقته بالمتعلمين من منطلق إنساني قبل كل شيء؟ هل التعلم التقليدي أساء لدور المُعلم المحوري والهام الذي يفترض به أن يساهم به في غرس المبادئ الإنسانية والأخلاقية والفكرية والعاطفية في قلوب المتعلمين وعقولهم ونفوسهم؟

أسس بناء علاقة سوية مع المتعلمين:

على المعلم أن ينظر إلى المتعلمين على أنَّهم بشر بكيانات إنسانية متفردة، ويُظهر القبول والاحترام للاختلافات داخل الفصل؛ فالافتراضات أو التصورات الفكرية التي يحملها المعلم عن المتعلمين تؤدي دوراً أساسياً في توجيه المعلم عند تقديمه المساعدة للمتعلمين.

على سبيل المثال المعلم الذي يدرك أنَّ مستوى الإدراك لدى الشخص الراشد ليس بالضرورة أفضل من مستوى الفهم لدى الطفل، سيدفعه إلى الإصغاء باهتمام للطفل وإظهار الاحترام لعالمه الشخصي واحتياجاته الشخصية والنفسية، ومن هنا يستطيع المعلم تقديم المساعدة للطفل والمساهمة في تكوين هويته الشخصية، ثم مخزونه المعرفي بالطريقة التي تناسب الطفل نفسه؛ وذلك بالبحث عن دوافع التعلم لدى الطفل وتحفيزها ودعم تطور الطفل ونموه، وهذه القاعدة الإنسانية الأولى والأهم.

لا تمضي الأيام بتلك السهولة داخل الصفوف؛ فالسلوكات غير المرغوبة لا بدَّ أن تظهر من المتعلمين، فكيف على المعلم أن يتصرف لمواجهتها؟ وفي الوقت ذاته يبقي على مبدأ احترام احتياجات المتعلمين فاعلاً في مثل هذه المواقف؟

وفقاً للقاعدة التي تنص على أنَّ "كل سلوك وراءه نية إيجابية"، فعلى المعلم أن يبحث عن المعنى الذي يكمن خلف السلوك غير المرغوب، وتحري جذور المشكلة، وطرح المسألة للنقاش لإيجاد بدائل للسلوك الأكثر قبولاً، وفي الوقت ذاته على المعلم أن يحذر من انتهاك خصوصية المتعلم، أو التسرع بإظهار ردود فعل غير مدروسة لمواجهة سلوك المتعلمين غير المرغوب، وهذه هي القاعدة الثانية "كل سلوك هو استجابة لحاجة ما".

إنَّ المعلم الذي لا يحمل كلمة الفشل في قاموس مفرداته، ويستخدم التغذية الراجعة لتعزيز الخبرات السابقة للمتعلمين يعلم تماماً بأنَّ نتائج التعلم الحقيقي لا تعبِّر الدرجات الكمية عنها، لكن سلوكات المتعلمين كالإصرار والحماسة والانغماس في التعلم هي المؤشر الحقيقي لمجموع المهارات التي اكتسبوها لتحقيق أهداف التعلم.

إنَّ مسؤولية المعلم الأولى في هذا الموقف هي البحث عن الأسباب وراء إخفاق المتعلمين، وعليه أن يطرح مجموعة من الأسئلة عن صعوبة المادة ووضوحها على سبيل المثال، أو البحث عن استعداد المتعلم فهل درس للمادة كما يجب؟ أو هل يمتلك الاستراتيجيات الكافية أو الصحيحة لحل المسائل، أو ربما المادة من الصعوبة أو عدم الوضوح ويصعب فهمها على المتعلم.

إنَّ العمل على تصحيح هذه التحديات يتيح للمتعلمين إحراز التقدم في تحقيق الأهداف التعليمية، ويساعد على عدم تكرار الخطأ، بينما تسليط عصا العقاب من خلال تقييم المتعلمين بالفشل أو النجاح بواسطة الدرجات، يُعدُّ من أسوأ الأساليب التربوية السامة التي تدفع بالمتعلمين الذين يوصمون بالفشل إلى التراخي وانخفاض الدافع للتعلم والحافز للعمل على التقدم في أهدافهم التعليمية، فإذاً لا يوجد فشل، لكن هي خبرات سابقة، وهذه هي القاعدة الثالثة.

كثيراً ما نسمع معلمين يعترفون خلال برامج التأهيل والتدريب المتخصص يشاركون المجموعة عن مواقف تعلموا فيها من المتعلمين، إنَّ هؤلاء المعلمين يثيرون الإعجاب الآخرين في كل مرة لتواضعهم في الاعتراف بأنَّهم ينقصهم كثيراً لتعلمه، ولا ضير من اكتساب العلم واقتناص الفرصة متى ما سنحت؛ إذ لا عجب أن يحظى هؤلاء المعلمون باحترام متعلميهم الذين يعترفون لهم بامتلاك الأخلاق والعلم والمعرفة التي هم بحاجة إليها، فإنَّ قاعدة التعلم من الآخر أساسية في دفع المعلمين والمتعلمين إلى مشاركة خبراتهم وبناء علاقة أساسها الاحترام المتبادل والصدق في التعلم.

الأطفال هم أفضل المُتعلمين:

يستخدم الأطفال مبادئ المشاركة الاجتماعية في اللعب والتعلم فطرياً، فهم يكوِّنون علاقات صداقة بسهولة مقارنةً بالراشدين الأكثر حذراً، فهم لم يكوِّنوا بعد معتقدات معوقة أو أحكاماً مسبقة عن ذواتهم أو الآخرين، فتجدهم غالباً يسمحون لأنفسهم بإظهار جوانب الضعف للأطفال الآخرين، ويكسبون ثقة باقي الأطفال بسهولة، فهم لا يمانعون الجلوس بالقرب من بقية الأطفال في أثناء اللعب أو التعلم، مما يسهل تكوين العلاقات بينهم.

ولأنَّ الطفل لا يتعلم إلا ما يريد أن يتعلمه، نجد أنَّه بطبيعته شديد التركيز في اللحظة الحالية، مما يمنحه القدرة على تفهُّم الآخرين بصورة أفضل مقارنة بالراشدين، والقدرة على الانتباه إلى تأثير أفعالهم في الآخرين، ممَّا يساعدهم على التأقلم بسرعة مع المواقف والمجموعات متى ما اقتضى الأمر وإظهار سلوكات التعاطف مع باقي الأطفال دون تردد، وحينما يقرر الأطفال اللعب أو التعلم تجدهم يبحثون عن الجوانب المشتركة بينهم وبين بقية الأطفال، ممَّا يساعد على انغماس الأطفال في بناء تجارب مشتركة في أثناء اللعب والتعلم.

من النادر أن تجد طفلاً لا يرغب في خوض كل تجربة تعلُّم ممكنة تساعده على الانغماس في اللحظة، وإنَّ دافعه وحافزه لذلك هو فطرة التعلّم التي تحرك فضوله تجاه البيئة المحيطة، فتجده يضع كل ما يجده في فمه، ويحاول أن يكتشف كل زاوية وكل غرض في المنزل، والأسئلة كثيرة عن الأصوات والروائح والألوان والأشكال حوله، لا يهدأ، ولا يتعب خلال لعبة الاكتشاف هذه.

أسس التعلم السريع- التعلم الفطري:

إنَّ ما يميز فلسفة التعلم السريع أنَّه يقدم لنا تجربة العودة إلى فطرة التعلم من خلال تقنيات بسيطة وعميقة في أثرها في الوقت ذاته، ويقوم في أصله على ثمان أسس، جميعها قائمة على الطريقة الفطرية لتعلم الأطفال، وهي:

1. التعليم والتعلم دون إصدار الأحكام المسبقة:

على المعلم أن يسمح للمتعلم بخوض تجربة التعلم دون أن يقوم بتأطيرها بأحكام مسبقة على العملية أو التجربة أو المتعلم ذاته، على سبيل المثال يقول له أنَّ الدرس صعب، أو يقدمه بملل يوحي بالملل للمتعلم أو يشير إلى تطبيقات الدرس أو المعلومات ضمنه بأنَّها غير مفيدة أو غير هامة، ذلك سيجعل عملية التعلم سهلة ومثيرة ومحفزة له، ويوصف المتعلم بذلك بأنَّه أكثر انفتاحاً على التجربة، وقدرة على النظر بعمق إلى المعاني من وراء التجربة.

2. لا بدَّ أن ينسجم التعلم والطريقة التي يعمل بها الدماغ كله:

كلما كانت عملية التعلم منسجمة مع الطريقة التي يتعلم بها الدماغ، فإنَّ دماغ المتعلم يتطور تطوراً أكبر وأسرع من الطرائق العشوائية والتقليدية في التعليم؛ لذلك من الهام أن يكون المعلم على إلمام ولو بسيط بآخر نتائج الأبحاث المتعلقة بالطريقة التي يتعلم بها الدماغ، ونصائح الخبراء لتطبيق هذه النتائج والاستفادة منها في تسريع تعلُّم الدماغ.

3. لا يتعلم المُتعلم إلا ما يريد أن يتعلمه:

فهو يصب تركيزه على المعلومات التي تشد انتباهه أكثر من غيرها؛ ومن ثَمَّ على المعلم أن يساعد المتعلمين على الانغماس في عملية التعلم من خلال تقديم مائدة متنوعة من المعارف بطرائق متنوعة تتناسب مع طريقة تعلُّم كل متعلِّم.

4. التعلم هو تجربة وخبرة اجتماعية:

ينغمس المتعلم أكثر في التعلم من خلال التعاون مع أقرانه من المتعلمين الذين يشاركونه قواسم مشتركة؛ لذلك على المعلم أن ينوع في طرائق التعلم داخل الصف، ويترك الفرصة للمتعلم أن يختار العمل منفرداً لبعض الوقت، أو في مجموعات من أزواج أو أكثر، ودور المعلم هو السماح ببناء علاقات إيجابية بين المتعلمين والحفاظ على بيئة التعلم التي يتفاعلون فيها إيجابية.

5. ينمو التعلم بقوة إذا أتت المادة التعليمية في سياقها:

كلما كانت بيئة التعلم أكثر قرباً من الواقع خارج الصف؛ فهي أكثر محاكاة للحياة الواقعية مع الحفاظ على مشاعر الأمان خلال عملية التعلم، وعدم غياب شعور المتعة في الوقت ذاته من خلال تقديم الأنشطة والألعاب التعليمية التي تحقق للمتعلم البقاء نشطاً ومتيقظاً طوال فترة التعلم وبعدها.

6. إشغال المعلم كله يحسِّن التعلم تحسيناً كبيراً:

التعلم هو عملية ذاتية؛ فالتعلم يُخلق في داخلنا من خلال تفاعل المتعلم بجسده وفكره وقلبه إلى درجة أنَّه لا يعد منتبهاً لما حوله، والمُعلم البارع هو من يقدم تنوعاً في الأنشطة تشغله كله في التعلم، وتعزز في داخله القيم والمعاني والمعارف، والتي يتمكن من التعبير عنها برسم أو بكلمات لاحقاً.

7. تقوم المشاعر الإيجابية بممارسة دور كبير في تحسين التعلم:

لا يتعلم المتعلم من خلال العصا المادية أو النفسية؛ فالخوف هو أول وأكبر عائق أمام التعلم؛ وذلك وفقاً لنتائج البحوث الكثيرة المتعلقة بأثر الخوف في مناطق الدماغ المختلفة، "الدماغ الخائف هو دماغ مشلول"؛ لذلك كان الدور الأهم الذي على المعلم القيام به منذ اليوم الأول للقائه بالمتعلم هو بناء علاقة إيجابية مع المتعلمين والاستمرار ببناء الثقة والتواصل معهم طوال العام.

8. الصدق ثم الصدق ثم الصدق:

ما الذي يتعلمه المتعلم من المعلم الذي يقدم أفضل الدروس في وجود مراقب من الوزارة أو مدير المدرسة أو معلمين آخرين؟ بينما هو في باقي الأيام يكاد لا يتحرك من الكرسي، ولا يحرص على شرح الدرس بالأمانة التي لمسها المتعلمون في مواقف كان تحت الملاحظة والتقييم؟ إنَّه يتعلم الكذب والنفاق.

المتعلم صادق بالفطرة، ويتوقع أن يكون الجميع صادق معه، مما يجعله يثق بهم، وبما يتلقاه منهم بأنَّه هو الأفضل له، ورأي الآخرين به هو الحقيقة، وهذه الفطرة الربانية تضع المعلم أمام مسؤولية أن يكون حريصاً في قوله وسلوكه وصادقاً مع المتعلمين ومعبِّراً عن صدق اهتمامه بهم وبتقديم الأفضل لهم.