لايمكن الحديث عن الطفرة النوعيَّة التي تعرفها مناهج التعليم ببلادنا دون الحديث عن بيداغوجيا الكفايات التي تعد جوهر هذه الطفرة، وملمحاً أساسياً من ملامح إصلاح نظام التربية والتكوين. هذه البيداغوجيا التي شكلت قطيعة مع النزعة التقليديَّة السلطوية المهيمنة على الفعل التربوي منذ عقود، وتجاوزاً ذكياً لبيداغوجيا التدريس بالأهداف المغرقة في نزعتها السلوكيَّة.

ومكمن الجدة والمغايرة في هذه البيداغوجيا هو تفعيلها لفلسفة ومضامين أساسيَّة وهامة والمتمثلة في : "جعل المُتعلِّم بوجه عام, والطفل على الأخص, في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العمليَّة التربويَّة التكوينية..."(1)، وذلك بتبني "نهج تربوي نشيط، يجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى التعلُّم الذاتي، والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي"(2).

إلا أن ترسانة الصيغ والمقاربات البيداغوجيَّة لا تكفي وحدها لتفعيل وأَجْرِأَةِ هذه المضامين ما لم تصاحبها قراءة رصينة لشخصيَّة الطفل بكل أبعادها الحركيَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة، والقدرة على توجيه إمكاناته وقدراته وميولاته التلقائيَّة بشكل يخدم مسار تعلمه.

المــحــــــــــــور الأول:

اللـعــب:

تقول الدكتورة سوزانا ميلر الأخصائية في علم نفس الطفل"لقد ظلت كلمة "لعب" زمناً طويلاً تعبيراً يشبه سلة المهملات اللغوية التي نلقي فيها بكل سلوك اختياري، ولكن لا يبدو له أي استعمال واضح من الناحية البيولوجية أو الاجتماعيَّة"(3).

وبالفعل فإن العديد من الآباء والأمهات بل وحتى المربين يخفقون في فهم ماهية اللعب وضرورته الحيويَّة بالنسبة إلى الطفل، إذ يعدونه سلوكاً فارغاً من أي محتوى وظيفي، وعائقاً أمام التحصيل الدراسي، وقد غاب عنهم أنه أول بوابة يلجها الطفل لاكتشاف نفسه أولاً، ثم استكشاف العالم ثانياً.

إنه موقف يبدو غريباً إذا قورن بلحظة الاعتراف بالقيمة العلمية للعب، والتي ترجع إلى زمن أفلاطون وأرسطو، حيث نادى الأول في كتابه "القوانين" بتوزيع تفاحات على الأطفال لمساعدتهم على تعلم الحساب، ومنح أدوات بناءٍ مصغرة لمن يتوقع أن يكونوا بنائين في المستقبل، بينما دعا الثاني إلى تشجيع الأطفال على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه بشكل جِدي حين يصيروا راشدين. كما أن العديد من الدراسات والأبحاث التربويَّة والنفسيَّة أجمعت على عَدِّ اللعب ضرورة بيولوجية، ونشاطاً أساسياً لتكوين شخصيَّة الطفل، بل يذهب بعض خبراء التربية إلى أنه وسيلة التعلُّم الوحيدة خلال الخمس الأولى من عمر الطفل.

لكن قبل المضي في تبيان فوائد اللعب وآثاره في نمو الطفل، لا بد من إضاءة أوليَّة لماهية اللعب وطبيعته وخصائصه، بالإضافة إلى الحيز الذي يشغله في أهم النظريات والمقاربات السيكولوجية.

1. ماهية اللعب:

لغـــةً: جاء في لسان العرب لابن منظور: اللعب ضد الجد، ويقال لكل من عمل عملا لا يجدي عليه نفعا: إنما أنت لاعب، ويقال: رجل لعبة أي كثير اللعب، والشطرنج لعبة، والنرد لعبة، وكل ملعوب به فهو لعبة لأنه اسم.

اصطلاحاً: تتعدد تعريفات اللعب وتتباين بالنظر إلى الإطار المرجعي الذي يستند إليه كل باحث في رصده لهذا السلوك.كما أن جلها إنما هي وصف للعب وليست تعريفا له، مما يجعل تقديم مفهوم موحد صعبا للغاية. لذا أكتفي بإيراد نماذج تُوضِّح هذا التباين:

(Weiny Comin) تعريف ويني كامين: اللعب هو أي نشاط يمارسه الطفل دون أية ضغوط عليه من البيئة المحيطة به والمتمثلة في بيئته العائليَّة والاجتماعيَّة، والبيئة الطبيعيَّة.

(Percy) تعريف بيرس: اللعب هو كل نشاط يقوم به الفرد لمجرد النشاط دون إعارة أي اهتمام للنتائج التي قد تنتج عنه بحيث يمكن الفرد الكف عنه أو الاسترسال فيه بمحض إرادته.

(Good) تعريف قاموس التربية لمؤلفه جود: اللعب نشاط موجه أو غير موجه يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة والتسلية، ويستغله الكبار عادة ليسهم في تكوين سلوكهم وشخصياتهم بأبعادها المختلفة العقليَّة والجسميَّة والوجدانيَّة.

(Huzinga) تعريف هوزنجا: اللعب هو كل أنواع النشاط الحر الذي يؤدى بوعي تام خارج الحياة العادية بِعَدِّه نشاطاً غيرجاد وغير مرتبط بالاهتمامات الماديَّة .وهو مقتصر على حدود الملاءمة، وينفذ وفق قواعد مضبوطة.

(Jean Piaget) تعريف جون بياجيه: اللعب عمليَّة تَمَثُّل تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجات الفرد.فاللعب والتقليد والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عمليَّة النماء العقلي والذكاء.

2. خصائص اللعب:

على الرغم من كثرة تعريفات اللعب وتباينها لارتباطها بتوجهات كل باحث، إلا أن هناك اتفاقاً حول خصائصه وسماته.

يجمل الدكتور محمد محمود الحيلة سمات اللعب الأساسيَّة فيما يأتي:

  • هو نشاط لا إجبار وغير ملزم للمشاركين فيه، وقد يكون بتوجيه من الكبار أو بغير توجيه كما في الألعاب الشعبية.
  • تعد المتعة و السرور جزءاً رئيساً و هدفاً يحققه اللاعبون من خلال اللعب وغالباً ماينتهي إلى التعلُّم.
  • من خلال اللعب يمكننا استغلال الطاقة الذهنيَّة و الحركيَّة للاعب في آن واحد.
  • يرتبط اللعب بالدوافع الداخليَّة والذاتيَّة للطفل، حيث إنه يتطلَّب السرعة والخفة والانتباه وتفتح الذهن.
  • اللعب مطلب أساسي لنمو الطفل وتلبية احتياجاته المُتطوِّرة وتعليمه التفكير .
  • اللعب عمليَّة تمثل، أي أن الطفل يتعلَّم باللعب، وحتى يكون اللعب فعَّالاً لابد للطفل من تمثله.
  • اللعب مطلب أساسي لإثارة تفكير الأطفال، وتوسيع مجال تخيلاتهم، وبناء التصوُّرات الذهنيَّة للأشياء (4)

أما" ف.بيتش" فقد أورد خصائص اللعب كما يأتي:

  • اللعب يحمل عنصراً انفعالياً.
  • يُميِّز الكائن الأقل نضجاً من الكائن الأكثر نضجاً.
  • لا تكون له نتائج بيولوجية مباشرة تؤثر في وجود الفرد أو النوع.
  • أشكاله مُتنوِّعة وعديدة.
  • يعتمد استمراره و تنوعه على مستوى التطوُّر الذي وصل إليه الكائن (5).

في حين يحدد الكاتب الفرنسي "كيلوا"سمات اللعب كما يأتي:

  • اللعب مستقل ويجري في حدود زمان ومكان مُحدَّدين ومتفق عليهما.
  • غير أكيد، أي لا يمكن التنبؤ بخط سيره وتقدمه، أو نتائجه.وتترك حريَّة ومدى ممارسة الحيلة فيه لمهارة اللاعبين وخبراتهم.
  • يخضع لقواعد أو قوانين معينة أو إلى اتفاقات أو أعراف تتخطى القواعد المتبعة, وتحل محلها بصورة مؤقتة.
  • إيهامي أو خيالي، أي أن اللاعب يدرك تماما أن الأمر لايعدو كونه بديلاً من الواقع.

وعلى العموم يمكن حصر خصائص اللعب في ثلاث سمات رئيسة : 1) دوافعه داخليَّة 2) يحقق متعة للطفل 3) مرن ومتحرر من أية قواعد تفرض عليه .

3. العوامل المؤثرة في اللعب:

أثبتت الدراسات الميدانيَّة وجود عوامل مؤثرة تتحكم بلعب الأطفال، وتمنحه أشكالاً وأنماطاً متباينة. ومن بين هذه العوامل:

  • العامل الجسدي: فالطفل الذي يعاني تغذية ورعاية صحيتين ناقصتين يبدي اهتماماً أقل باللعب، كما أن ضعف التناسق الحركي يعيق الطفل عن ممارسة ألعاب تتطلَّب النضج العصبي والعضلي.
  • العامل العقلي: يرتبط الإقبال على اللعب كذلك بمستوى ذكاء الطفل ونباهته، فالأطفال الأكثر ذكاء سرعان ما يغيرون أسلوب لعبهم فيرتقون من اللعب الحسي إلى اللعب الذي يتضمَّن عنصر الخيال والمحاكاة بينما لا يظهر هذا التطوُّر على من هم أقل ذكاءاً.
  • عامل الجنس: فقد لوحظ في معظم المجتمعات أن هناك فروقا واضحة بين لعب الصبيان ولعب البنات, ففي لعب الصبيان هناك ميل أكبر نحواللعب الذي يرمزإلى القوة والسيطرة، بينما يكون لعب البنات أقل حركة.
  • عامل البيئة: يؤثر عامل المكان في لعب الأطفال بشكل كبير بحيث تختلف أنماط اللعب باختلاف بيئة الطفل" كأن تكون ساحلية، أو صناعيَّة، أو ريفية، أو صحراوية، أو غنية، أو فقيرة...".

آثار اللعب وفوائده:

إن أول ما يمنحه اللعب للطفل هو فرصة الانفلات من قيود واقعه المادي، يقول الدكتور محمد عماد الدين إسماعيل" إن اللعب إنما يهيِّئ للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع الممتلىء بالالتزامات و القيود، والإحباط و القواعد والأوامر والنواهي، ولكي يعيش أحداثاً كان يرغب في أن تحدث له ولكنها لم تحدث، أو يعدل أحداثاً وقعت له بشكل معين وكان يرغب في أن تحدث له بشكل آخر إنه انطلاقة يحل بها الطفل، ولو وقتياً، التناقض القائم بينه وبين الكبار المحيطين به، ليس هذا فحسب, بل إنه انطلاقة أيضاً للتحرر من قيود القوانين الطبيعيَّة التي قد تحول بينه وبين التجريب، واستخدام الوسائل دون ضرورة للربط بينها وبين الغايات أو النتائج. إنه باختصار فرصة للطفل كي يتصرَّف بحريَّة دون التقيُّد بقوانين الواقع المادي أو الاجتماعي  (6) "(
أما بقية الفوائد فإنها تتوزَّع على كافة نواحي نمو الطفل ويمكن إجمالها على الشكل الآتي:

  • من الناحية الجسميَّة: يحقق اللعب للطفل نمواً جسمياً سليماً من خلال تقوية العضلات، وتصريف الطاقة الزائدة، وتنميَّة المهارات الحركيَّة، وإحداث التكامل الضروري بين وظائف الجسم الحركيَّة والانفعاليَّة والعقليَّة.
  • من الناحية العقليَّة: اللعب سلوك مهم لتحقيق النضج العقلي، وتنميَّة التفكير الإبداعي عند الطفل لما يتيحه من إمكانات الخيال والتخمين والاستكشاف والتساؤل.
    من الناحية النفسيَّة: يمكن اللعب الطفل من السيطرة على قلقه، ومخاوفه، والصراعات النفسيَّة التي تعتمل بداخله، فهو مجال للتنفيس عن الانفعالات التي تنجم غالبا عن القيود التي يفرضها عليه عالَم "الكبار ".
  • من الناحية الخلقية: يسهم اللعب في تكوين النظام الأخلاقي والمعنوي للطفل من خلال تعويده معايير السلوك الأخلاقيَّة كالصدق، والأمانة، وضبط النفس، والاجتهاد، وتقدير الآخر، واحترام مبدأ الاختلاف، والإحساس بشعور الآخرين ...إلخ.
  • من الناحية الاجتماعيَّة: يكسب اللعب الطفل قيما ومهارات ضروريَّة للنمو الاجتماعي السليم، كتعلُّم النظام, وإدراك أهمية العمل الجماعي، وتقدير المصلحة العامة، وتعرف أنماط السلوك الاجتماعي الملائمة لكل موقف.من الناحية التربويَّة:
    يذكي اللعب رغبة الطفل في التعلُّم، كما ييسر انخراطه بسهولة في المسار التعليمي شرط أن يكون موجهاً من لدن الفاعل التربوي. وسأعمل على بسط فوائد اللعب من حيث الجانب التربوي بشكل أكثر تفصيلا في المحور الثاني من هذا البحث.خـلاصـة:
    إن اللعب عامل مهم جدا في نماء الطفل وتعلمه، فهو يتصل اتصالا مباشرا بحياته، بل إنه يشكل محتوى حياته وتفاعله مع بيئته، إذ يمكن الطفل من اكتساب معرفة شخصيَّة لا تضاهيها المعرفة المُجرَّدة التي يحصلها عن طريق السرد والإلقاء .

النظريات المختلفة في تفسير اللعب: 

  • اللعب في نظريَّة الطاقة الزائدة: اللعب من وجهة نظر "سبنسر" نشاط مهمته تصريف الطاقة الزائدة. فالحيوان إذا توافرت لديه طاقة زائدة عن حاجته في العمل يتخلص منها في اللعب، وهو ما ينطبق على الأطفال الذين لا ينشغلون في طفولتهم بأي عمل مما يولد لديهم طاقة زائدة تصرف في اللعب. لكن على الرغم من أن هذا التفسير فيه جانب من الصواب إلى حد ما، إلا أنه لم يتناول حقائق اللعب كما ينبغي، فليس اللعب مقصوراً على الأطفال بل هو مظهر سلوكي لدى الكبار أيضا.يقول فولكييه" :لا يزول اللعب بزوال الطفولة، فالراشد نفسه لا يمكن أن يقوم بفاعليَّة هائلة إلا إذا اشتغل و كأنه يلعب". أضف إلى ذلك تجاهل سبنسر وأتباعه للدور المركزي للعب في عمليَّة النمو، وإمكانية تدخل عوامل عدة لتوجيه هذه الطاقة وتوظيفها لصالح الإنسان.
  • اللعب في النظريَّة الإعدادية يقارب "كارل غروس"مؤسس نظريَّة الإعداد للحياة المستقبليَّة اللعب على أساس بيولوجي محض، فهو بالنسبة إلى الكائن الحي مجرد تمرين للأعضاء حتى يمكن السيطرة عليها واستعمالها استعمالاً حراً في المستقبل. فمطاردة صغار القطط لخيط الصوف ما هو إلا تدرب على مطاردة الفريسة بقصد الحصول على الطعام، كما أن تناطح الحملان هو تمرين للدفاع عن النفس في المستقبل. الشيء نفسه ينطبق على الطفل، فميل البنات إلى اللعب بالدُّمى مثلا ما هو إلا استعداد شعوري للعب دور الأمومة.لقد لاقت هذه النظريَّة قبولاً من لدن عدد كبير من العلماء لأنها تجاوزت بذكاء موقف نظريَّة "سبنسر"، فلو كان الأمر مجرد تخلص من الطاقة الزائدة لجاءت حركات الحيوانات عشوائيَّة ومتشابهة. إلا أن تطبيقها على الإنسان يقتضي الأخذ في الحسبان الفارق بين حياة الانسان الغنية بالتفاعلات والمؤثرات المختلفة، وحياة الحيوان البسيطة والمحدودة .
  • اللعب في النظريَّة التلخيصية: اللعب من وجهة نظر" ستانلي هول" صاحب هذه النظريَّة هو مجرد تلخيص لسائر النشاطات المختلفة التي مر بها الجنس البشري عبر القرون و الأجيال، وليس تدريبا على نشاط مستقبلي، أو لمواجهة مُتغيِّرات الحياة. فألعاب القفز والتسلق والصيد هي في الواقع امتداد لا شعوري لأنشطة الإنسان القديم كما أن اللعب الجماعي للأطفال ما هو إلا تمثل لنشأة الجماعات الأولى في حياة الإنسان. وإذا كان "ستانلي" قد بنى موقفه هذا على نظريَّة "لا مارك "القائلة بالانتقال الوراثي للصفات المكتسبة، فإن الدراسات الحديثة في علم الوراثة لم تعثر على ما يؤيد هذا الطرح، مما أدى إلى إلغاء نظريَّة ستانلي.
  • اللعب في نظريَّة التحليل النفسي: يفسر رائدها" سيجموند فرويد"اللعب بعَدِّهِ إسقاطاً للرغبات ولإعادة تمثيل الصراعات والأحداث المؤلمة للسيطرة عليها، فلعب الأطفال لا يحدث بالمصادفة بل تتحكَّم فيه مشاعر وانفعالات سواء كان الطفل على وعي بها أم لم يكن. وإذا كان الطفل يُميِّز اللعب من الواقع فهو يوظف أشياء من الواقع ليبني عالمه الخاص به والذي يمكنه من الاحتفاء بالخبرات السارة التي تجلب إليه المتعة، فالبنت مثلا تمارس على دماها تلك السلطة التي تحرم منها في عالم الواقع.كما أن اللعب يساعد على خفض حالات التوتر والقلق وهو ما دفع فرويد إلى توظيفه كطريقة علاجيَّة للأطفال المضطربين نفسيا. غير أن المقاربة العلاجيَّة والتنفيسية لا تكفي لتفسير اللعب إذ هناك وظائف أخرى لم يلتفت إليها رواد التحليل النفسي آنذاك.
  • نظريَّة النمو الجسمي:
    يرى العالم "كارت"رائد هذه النظريَّة أن اللعب يساعد على نمو الأعضاء خاصة الجهاز العصبي والمخ.فالحركات التي يؤديها الأطفال تسيطر على تنفيذها المراكز المخية مما يساعد على تكوين الأغشية الذهنيَّة التي تكسو معظم الألياف العصبية, ومن ثمَّ تمكين المخ من العمل بشكل أفضل.

خلاصـة:

إذا ألقينا نظرة فاحصة على هذه النظريات سنخلص إلى أن بعضها يكمل بعضا, كما أنها تتفق حول حقيقة واحد مفادها أن اللعب يقوم في أساسه على الحاجات الغريزية والبيولوجية للطفل, أما رغباته فتنضج مع نموه وتظهر من خلال ألعابه بغض النظر عن أسلوب تربيته, ومكان عيشه, ومن يقوم على تربيته.

أنـواع اللـعـب:

يرتبط تنوع الألعاب من حيث شكلها ومضمونها وطريقة أدائها بخصائص المرحلة العمرية، كما يرتبط بالظروف الاجتماعيَّة والثقافيَّة المحيطة بالطفل. ويمكن حصر أهم أنواع اللعب كما يأتي: 

اللعب التلقائي شكل أولي من أشكال اللعب، يمتاز بالتلقائيَّة وعدم التقيُّد بأية قواعد أو مبادئ مُنظَّمة.يكون فرديا وحركاته بسيطة تنحصر في مد وثني الذراعين وتحريك الأصابع، ولمس الأشياء، ويميل خلاله الطفل إلى رمي وتدمير ما تقع عليه يداه بسبب نقص الاتزان الحركي.

اللعب التمثيلي: يسمى كذلك لعبا رمزيا وإيهاميا، ويتسم بتقمص شخصيات الكبار وسلوكاتهم, فتصبح الدمية أما أو أبا، وتصبح العصا حصانا. وأهم ميزات هذا اللعب أنه ينمي مقدرة الطفل التخييلية والإبداعيَّة من خلال اجتهاد الطفل في إضفاء مسحة الواقعيَّة على لعبه، متأثرا في ذلك بالوسط الذي يعيش فيه.

اللعب التركيبي و الإنشائي: يهيمن هذا النوع من اللعب على المرحلة المتأخرة من الطفولة (9-12سنة) ويتسم بكونه أقل إيهامية وأكثر بنائية، ويتضح من خلال الألعاب المنزلية" بناء منزل، تشييد سكة قطار..." حيث يضع الطفل خطة للعب، ويسمي عناصر اللعبة. ولهذا اللعب دور مهم في تنميَّة مهارات لها علاقة بالتفكير العلمي كالموازنة والتنبؤ والملاحظة والتحليل والتصنيف، كما ينمي مفاهيم أساسيَّة في الرياضيات كالمساحة والطول والتسلسل والأعداد.

اللعب الفني: جزء من اللعب التركيبي, لكنه يمتاز بأنه نشاط تعبيري فني يتيح للطفل فرصة التعبير عن مشاعره، ويمنحه الثقة بقدراته، وينمي فيه خصيصة التذوق الجمالي.

اللعب الترويحي والرياضي: يمارسه الطفل ابتداء من عامه الثاني، وهو مجموعة ألعاب بسيطة توصف غالبا بـ: "ألعاب الأم" لأن الطفل يلعبها في الغالب مع أمه, ثم مع أولاد الجيران. وهذا اللعب ذو قيمة كبيرة في التنشئة الاجتماعيَّة, فمن خلاله يتجاوز الطفل أنانيته، وينمي حسه الاجتماعي من خلال المشاركة والتعاون واحترام الآخر والاندماج في المجموعة والتدرب على الأخذ والعطاء.

اللعب الثقافي: تشمل سلسلة الأنشطة التي تتيح للطفل إمكانية التثقيف، واكتساب المعلومات والخبرات، وأهمها برامج الأطفال الإذاعية والتلفزية، ومسرح الطفل، وبعض ألعاب الفيديو والحاسوب.

خـلاصـة:

إن الكم الهائل من الأبحاث والتجارب والدراسات التي تناولت موضوع اللعب تجمع على أنه مُحدَّد رئيس لشخصيَّة الطفل، ونشاط لازم لنموه وتكوينه على المستوى الحركي والنفسي والاجتماعي، ووسيط فعَّال بينه وبين العالم الخارجي. ومظهر سلوكي بهذه الأهمية يقتضي استثماره تربويا على أوسع نطاق ممكن، من خلال توجيهه، وإكسابه قيمة تربويَّة حتى يكون مدخلا وظيفيا لمسار تعلمي فعَّال.