أنا اكره المدرسة، هذه الحصص مملة جدا...

سأتغيب اليوم عن المحاضرة... لا داعي لحضور تلك المحاضرة... سأستنسخها فيما بعد..

هل تبدو هذه الجمل مألوفة لديك؟

هل حدث أن فكرت أو تفوهت بمثل هذه العبارات من قبل؟

اذكر تماماً صيحة الفرحة التي كانت تملأ الدنيا عندما يرن جرس فسحة الإفطار في المدرسة، وكأنما قد فك قيد كان يلفنا فننطلق فرحين لا لنفطر، بل لنلعب مع الأصدقاء، ثم لا تلبث أن تمر هذه اللحظات الحلوة بسرعة ونشعر بالتذمر عندما يعلن جرس المدرسة أن الفسحة قد انتهت. وننتظر بفارغ الصبر جرس نهاية الدوام لنجري باندفاع إلي خارج المدرسة.

ما السر وراء ذلك الإحساس؟

إنه طريقة التعلُّم التقليديَّة التي تلقيناها، أي طريقة المحاضرات المملة.

يدخل الأستاذ إلى الصّف ليتحدث ويتحدث ويتحدث، ونحن مكتوفو الأيدي. حتى يصير الأمر مملاًّ، ولا يلبث أن يشرد ذهنك إلى خارج غرفة الصّف على الرغم من أنك ما زلت في داخله.

لماذا إذن نستمر في اتباع هذه الطريقة العقيمة للتعليم؟ ولماذا لا نستمتع بعمليَّة التعلُّم؟

إن التعليم التقليدي يقضي على روح المبادرة كما أنه يعوّد الطالب الطاعة العمياء والسلبيَّة والتردد في إبداء الرأي والتلكؤ في المناقشة. إنه أحد أهم الأسباب لما نعانيه الآن من عدم القدرة على الاستماع رأي الآخر. كما أنه أحد أهم الوسائل التي علمتنا كيف نستبد برأينا ونطرح آراء الآخرين أرضا ونهملها. أو نقمعها إذا استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

تقنيَّة التعلُّم السريع تقدم لنا بديلاً مميزاً لطرائق التعلُّم التقليديَّة. إنها توفر طرائق أسرع لتبادل المعلومات ولتحقيق أساليب أكثر كفاءة في التعلُّم والتدرب على حد سواء.

كيف؟  

لتعرف الإجابة عن هذا السؤال سنحاول في هذا المقال عقد موازنة سريعة بين التعلُّم التقليدي والتعلُّم السريع.

  1. دائرة التعلُّم

يعتقد بايبي Bybee) 1997) أن دائرة التعلُّم مبنية علي خمس خطوات متصلة بشكل دائري. وهذه الخطوات الخمس هي:

  • الدمج (Engagement).
  • الاستكشاف (Exploration).
  • التفسير(Explanation) .
  • الإتقان(Elaboration) .
  • التقويم (Evaluation).

تخيل أنك دخلت إلى مكان مظلم فلمست شيئا ساخنا بينما كنت تتلمس أزرار المصباح. إن أول ما سيحدث هو اندماجك في الحدث. حينها ستسال نفسك ما الذي حدث لي بالضبط؟ّ (مرحلة الدمج) ثم ستبدأ بتفحص المكان ودراسته (مرحلة الاستكشاف)، ولن ترتاح إلا بعد أن تجد التفسير المناسب (مرحلة التفسير) والذي سيشكل لك خبرة سابقة تستفيد منها متي دخلت في موقف مشابه مرة أخري (مرحلة الإتقان). وفي كل مرة كنت تقوم بعمليَّة تحليل وتقويم سريعة تتيح لك التحوُّل من مرحلة إلى أخرى وفقا لما يطلق عليه دائرة التعلُّم: انظر الشكل الآتي.

إحدى إشكاليات التعلُّم التقليدي أنها تعتمد بشكل كبير على المُعلِّم. فالمُعلِّم هو المسؤول الأول أو فلنقل الأوحد عن إدماج الطالب ولو قهراً في العمليَّة التعليميَّة، فلذلك كثيراً ما نجد المُعلِّم خاصةً في الصفوف الابتدائية يصرخ بأعلى صوته وقد يستخدم نوعاً من العنف البدني أو اللفظي، وكل ذلك في محاولة منه لتحقيق الدمج بين الطالب وبين ما يقدم من مادة، وهو إذ يفعل ذلك قليلاً ما ينجح في تأسيس رغبة حقيقيَّة لدى الطالب في التعلُّم. كذلك فإن المُعلِّم هو المسؤول الأوحد عن تقديم الأدلة وتفحص المادة وتقديم التفسيرات المناسبة وتحقيق عمليَّة الإتقان. وهذا يعني أن الطالب سيكون بعيدا معظم الوقت عن دائرة التعلُّم.

أما في تقنيَّة التعلُّم السريع فما على المُعلِّم إلَّا الإشراف على العمليَّة التعليميَّة بينما تقع مسؤوليَّة التعلُّم على الطالب نفسه. يعني هذا أن عليه  يجب أن يتحرك ويشارك ويناقش مع المُعلِّم وزملائه. عليه أن يفحص المادة ويفسرها ويحقق درجة الإتقان بنفسه، وهو حين يفعل ذلك ينغمس في العمليَّة التعليميَّة ودائرة التعلُّم بكليته، مما يتيح له الاستفادة القصوى من التعلُّم.

إن الفرق بين استفادة الطالب من المعلومات المقدمة بالطريقة التقليديَّة موازنةً بالتعلُّم السريع هو كالفرق بين أن اشرح لك في محاضرة كيف تخيط جرحاً نازفاً (التعلُّم التقليدي) وبين أن أدخلك إلى غرفة العمليات لأدربك خطوة خطوة على كيفيَّة خياطة الجرح النازف. أيهما تعتقد سيكون أبقى في الذاكرة وأفضل في تعلم المهارة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال البسيط تلخص لك كفاءة التعلُّم السريع وتميّزه من التعلُّم التقليدي.

  1. العلاقة بين الطالب والمُعلِّم:

كما في الشكل الآتي فان التعلُّم السريع يتيح 3 مستويات علائقية:

  • بين المُعلِّم والطالب.
  • بين الطالب والطالب.
  • بين الطالب والمُعلِّم.

أما في التعلُّم التقليدي فالعلاقة هرمية وفوقية بحته كما أنها ذات اتجاهٍ واحدٍ يصل بين المُعلِّم والطالب  وهي كما في الشكل الآتي:

  1. من المسؤول عن التعلُّم: العقل أم الجسد أم الجسد والعقل معاً؟

في التعلُّم التقليدي يكون المبدأ المتحكم بالعمليَّة التعليميَّة هو أنَّ العقل هو المسؤول الأوحد عن تلقي المعلومة لذا يجب على الجسد أن يبقى هادئاً وساكناً طوال الوقت حتى يستوعب الدماغ المعلومات. أما في التعلُّم السريع فإن تحريك الجسد وإشغاله بالعمليَّة التعليميَّة يساهم في تفعيل التعلُّم وجعله أكثر كفاءة.

في الموقع أدناه سيجد القارئ الكريم الكثير من المعلومات التي تُوضِّح الأبحاث العلميَّة التي تؤكد العلاقة بين الحركة والتعلم.

http://www.pesoftware.com/Resources/moveLearn.html#learn

 علي سبيل المثال، قدمت أبحاث Henrietta Leiner and Alan Leiner))  (علماء الأعصاب من جامعة ستانفورد) أول دليل على وجود صلة بين العقل والجسم. ففي الماضي، كان يعتقد أن مسؤوليَّة المخيخ هي فقط إيصال الإشارات إلى المخ.  لكن على الرغم من أن المخيخ لا يمثل إلا عُشر الدماغ من حيث الحجم إلَّا أنَّه يحتوي على أكثر من نصف الخلايا العصبية لمجمل الدماغ. وإنَّ مهمة هذا الجزء من الدماغ ليس فقط التنسيق والتوازن والحركة كما هو معروف وليس فقط أخذ المعلومات إلى المخ بل وأيضا وإرجاعها مرة أخرى منه إلى القشرة الحركيَّة.

وقد دعمت بحوث عالم الأعصاب (Robert Dow) من بورتلاند، أوريغون، اتجاه العلاقة بين الدماغ والحركة بعد أن أجرى بحوثاً على أحد مرضاه الذي كان يعاني خللاً في وظائف المخيخ مما أدى إلى إصابته بضعف في وظيفة الإدراك لديه. وكانت هذه البحوث أول لبنه في تأطير العلاقة العلميَّة بين الدماغ والحركة.

وفي تطور لاحق أثبتت أبحاث عالمة الأعصاب Carla Hannaford)) التفاعلات الداخليَّة في داخل الدماغ والتي تساعد على الحفاظ على التوازن لدينا ، وعلى تحويل التفكير إلى أفعال وأنشطة، وعلى التنسيق بين تحركات الجسد. كذلك أكد هذا الارتباط بين الحركة والتعلُّم البحث الذي ترأسه (Peter Strick) في المركز الطبي لشؤون المحاربين القدامى في نيويورك حيث تتبع فريق البحث مساراً من وإلى المخيخ والذي يمر بأجزاء من المخ لها علاقة بالذاكرة، والانتباه، والإدراك المكاني، فاكتشف أمراً مثيراً للدهشة وهو أن ذلك الجزء من الدماغ الذي يعالج الحركة هو الجزء نفسه من الدماغ الذي يعالج التعلُّم. أما عالم الأعصاب (Eric Courchesne) من جامعة كاليفورنيا فيعتقد أن حجم المخيخ لدى الأطفال المصابين بالتوحد أصغر والعصبيات الدماغية لديهم أقل وهذا ما يفسد قدرتهم على تحويل الانتباه من موضوع إلى آخر بالسرعة المطلوبة، ومن ثمَّ فإن مجمل بحثه يثبت مرة أخرى أن ذلك الجزء من الدماغ المسؤول عن التحكُّم بالحركة يتحكَّم أيضاً بالتعلُّم واتخاذ القرارات المعقدة.

مجمل هذه البحوث إذاً تثبت التداخل بين الحركة والتعلم. ولهذا السبب فإن التعلُّم السريع يوصي بالألعاب والنشاطات الجسديَّة ومن ثمَّ يحقق تعلماً أفضل مما يحققه التعلُّم التقليدي الذي يوصي بفصل الجسد عن العقل.

  1. الغاية من التعلُّم:

في التعلُّم التقليدي تكون المعلومات المقدمة من المُعلِّم هي محور العمليَّة التعليميَّة، لكن الإشكاليَّة هنا أن الطالب سرعان ما سيبخر تلك المعلومات لأنه يعتمد علي حاسة واحدة فقط وهي حاسة السمع والتي لا تكفي مطلقاً لاكتساب مهارات جديدة. وحتى عند إدخال البوربوينت فإنه سيفعّل حاستين فقط هما السمع والبصر.

أما في التعلُّم السريع فإن اكتساب المعلومة هي وسيلة فقط وليست غاية وحيدة وذلك من أجل اكتساب الخبرة أو المهارة. لذا فإن الاستماع إلى المعلومة واجترارها فقط أمر غير مجدٍ من وجهة نظر التعلُّم السريع. بل يجب دعم تلك المعلومات بنشاطات الطالب لتحويلها إلى خبرة أو مهارة مما يعمل على إبقاء المعلومة أطول وقت ممكن. وفي سبيل ذلك يقوم الطالب بتفعيل حاستي السمع والبصر إضافة إلى الحركة التي تعمل على تفعيل عقله بالتفكير والمشاركة بدلاً من أن يكون مجرد متلقٍّ سلبي للمعلومة. أي أن التعلُّم السريع يعبر الحاجز الفاصل بين فصي الدماغ الأيمن والأيسر من أجل ضمان أكبر مشاركة للدماغ في العمليَّة التعليميَّة.

  1. مستويات التعلُّم:

 يُوكِّد (Raymond J. Wlodkowski) في بحثه تحت عنوان (Accelerated Learning in Colleges and  Universities) أن هناك بعض البحوث المقارنة التي تم إجراؤها على مستوى التعليم الدراسي الجامعي بين مستويات التعلُّم باستخدام التقنيات التقليديَّة وتلك السريعة. وقد أثبتت تلك البحوث أن التعلُّم السريع يساهم في جعل العمليَّة التعليميَّة أكثر كفاءة.

وعلى سبيل المثال، البحث الذي أجراه (Wlodkowski, Iturralde-Albert, and Mauldin) (2000) في إسبانيا على أربع مواد دراسيَّة جامعية والتي أثبتت أن درجات الطلاب الذين تلقوا تعلم هذه المواد بتقنيَّة التعلُّم السريع قد فاقت كثيراً درجات الطلاب في السنة السابقة الذين تلقوا المواد نفسها لكن بالطريقة التقليديَّة.

كذلك أثبتت بحوث (Conrad) (1996) أن التجربة التعليميَّة تصبح أكثر كفاءة عندما يتخللها تفاعل بين الطلاب، ونشاطات، وتخفيف الضغط على الطلاب. 

ومن كل ما سبق نقول إنَّ التعلُّم السريع يبحر بالطالب إلى أقصى درجات التعلُّم، بينما هو في التعلُّم التقليدي لا يصل الطالب إلى أدنى مستويات التعلُّم، وإن وصلها فسيكون ذلك في وقت أطول وبجهد أكبر.