يشكل الإيحاء جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في كل جزء من الاتصال اليومي. فإذا وقف ذاك الذي نال جائزة نوبل في بدلته الرسمية البسيطة ليعلن ولادة إنجاز تقني باهر جديد في مؤتمر علمي، تجد أنك ميّال إلى تصديقه أكثر من أن تتلقى الخبر من رجل غريب، رثّ الثياب قد تقابله في الشارع. وقد عبّر ماك شال ماك لوهان عن ذلك بأنّ "وسيلة الاتصال جزء من الرسالة".

في جميع وسائل الاتصال، كثيرة هي العوامل التي توحي للمستمع مراراً وتكراراً بمعلومات عن محتوى الرسالة التي يريد المتكلم إيصالها إليه مثل: نبرة صوت المتكلم وحركة يديه وطريقة لباسه ومعرفة المستمع بخلفية المتكلم الثقافية. وفي بعض الأحيان تقوم الانطباعات أو الإيحاءات المتكوّنة في اللاوعي بتعزيز فهم المستمع وتذكّره للمضمون الذي يركّز عليه الانتباه بالوعي، وتأتي أوقات تتناقض فيها الإيحاءات اللاواعية أو المحيطية مع الرسالة.

وقد قدّرت باتريشيا ديوروفي من الجمعية الأمريكية للتدريب والتنمية أنّ "90% من الاتصال بكل ما فيه يكون باللاوعي". ومع أنّ الإيحاء يقوم بدوره بفعالية كبيرة على مستوى اللاوعي، فإنّ العقل الواعي يستمرّ عموماً بأداء دور الحارس، فيرفض تلقائياً الإيحاءات التي لا تنسجم مع قيَمنا الأخلاقية أو مع المنطق الذي نتعامل به أو مع كلّ ما يهدد إحساسنا بالثقة أو الأمان.

يقول أينشتاين: التخيل أهم من المعرفة! فما هو التخيل؟ التخيل عبارة عن تدفق موجات من الأفكار التي يمكنك رؤيتها أو سماعها أو استشعارها أو تذوقها، إنه أحد الأساليب التي يقوم من خلالها دماغك بتشفير وتخزين المعلومات والتعبير عنها، وهو الأداة التي تتفاعل بها عقولنا مع أجسادنا. والشخص العادي تعبر ذهنه قرابة عشرة آلاف فكرة في شكل صور يومياً، ونصف هذه الصور على الأقل ذو طابع سلبي!!

تتكون الصور في جزء من المخ يدعى الجهاز الحوفي وهو الجزء المختص بالعواطف والانفعالات والإحساس بالألم أو البهجة، ولكن إدراك الصورة المتكونة يتم في المستوى الأعلى من المخ ويُعرف بالقشرة الحديثة، وهو الجزء المختص بالذاكرة والتفسير والتبرير وبدونه تظل الصورة بلا معنى.

ويرتبط الجزء الذي تتكون فيه الصورة بغدتين الأولى تعرف باسم الغدة تحت المهادية، وهذه الغدة مسؤولة عن تنظيم درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب والشعور بالجوع والعطش والرغبة في النوم والنشاط الجنسي، أي أنها تنظم جميع العمليات الحيوية في الجسم. والثانية الغدة النخامية التي تقود النشاط الهرموني للجسم. وبعد أن تتكون الصورة ويدرك المخ معناها تعمل الغدة تحت المهادية على إحداث تفاعلات فسيولوجية في جميع أعضاء الجسد فتقوم الخلايا بإرسال إشارات للمخ تعمل على تقوية الصورة لتصبح أكثر حيوية ويرسل المخ المزيد من الإيضاحات؛ وهو ما يجعل الصورة تستمر وتتواصل الدورة بين الجسد والمخ. وقد ثبت أن المخ يتفاعل بنفس الطريقة مع الصورة المتخيلة، أي أنه لا يُفرِّق بين الصورة الخيالية التي يبدعها خيال الإنسان دون أن تراها عينه وبين الصورة الواقعية.

 

الدكتور محمد ابراهيم بدرة.

دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.