يتألف الدماغ البشري من نصفين أيمن وأيسر، ويختص كل قسم بوظائف متخصصة تختلف عن الوظائف التي يقوم بها النصف الآخر. ورغم كون النصفين متخصصين في عمليات مختلفة، إلا أنهما يرتبطان ببعضهما بشكل وثيق، فكل قسم يدعم أداء الآخر، وكلما زاد الارتباط بين قسمي الدماغ كلما زاد التعلم والإبداع.

وقد أشار العالمان سبيري وأورنستين إلى أنّ نصفي الدماغ الأيمن والأيسر يتصلان ببعض بشبكة معقّدة إلى درجة لا تصدّق (نسيج عصبي يسمح بالاتصال بين القسمين) تتألف من 300 مليون ليف عصبي يُسمّى الجسم الجاسِئ، كما تمكّن العالمان من إثبات أنّ كلاً من نصفي الدماغ يتمتع بوظائف مختلفة عن الآخر. يعالج القسم الأيسر من الدماغ عمليات تتعلق بـ: الكلمات، الأرقام، الترتيب، اللغة، القراءة، الكتابة، العلاقات الرياضية، العلاقات المنطقية، التحليل، التفسير، التسلسل. ويعالج القسم الأيمن من الدماغ عمليات معقدة تتعلق بـ: الأصوات وإيقاعاتها، التخيل، أحلام اليقظة، الانطباعات البصرية، الأبعاد، النماذج الفراغية، تمييز الألوان، رسم الصورة الكبيرة عن موضوع ما. كما يعزو الباحثون إلى النصف الأيمن قدرة الإنسان على التعامل مع أنواع محددة من الأفكار المفاهيمية مثل الأفكارالمجرّدة (غير الملموسة) مثل الحب والإخلاص والجمال.

 


 

نصف الدماغ الأيمن

يركّز على:

الأشكال والنماذج

الحيز الذي يشغله الجسم من الفراغ

الإيقاعات وتذوُّق الموسيقا

الصور/ الإنطباعات

الخيال

أحلام اليقظة

الأبعاد

لحن الأغنية

 

 

 

 

الجسم الجاسئ

 

 

 

 

 

 

نصف الدماغ الأيسر

يركّز على:

اللغة

صِيَغ ومعادلات الرياضيات

المنطق

الأعداد

الترتيب والتسلسل

الخطوط والبعد الواحد

التحليل

كلمات الأغنية

مظهر خلفي لنصفي الدماغ عند الإنسان ووظائفهما الممكنة

 

حاول الباحثون إظهار تخصص كلّ من نصفي الدماغ بوظائفه بقياس النشاط الكهربائي في أثناء قيام الدماغ بنشاطات متنوّعة. فعندما يسترخي الدماغ في حالة راحة فإنّه غالباً يبدي (يسجّل) موجات دماغية بتكرار منتظم من نمط ألفا، أي موجات بتواتر 8/12 دورة في الثانية. وقد وجد أورنيستين أنّ الموضوع الذي يعالج مسألة رياضيات يبدي زيادة في موجات ألفا في نصف الدماغ الأيمن، وهذا يعني أنّ نصف الدماغ الأيمن كان مسترخياً في حين كان الأيسر نشطاً، ولذلك يُظهِرالموجات الدماغية من نموذج بيتا؛ وعلى العكس عندما يعالج الموضوع مقارنة نماذج ملوّنة، يُظهِر الدماغ الأيسر ألفا (أي أنّه يسترخي)، ويبدي الأيمن بيتا (أي أنّه نشط).

فنشاط الاستماع إلى "الموسيقا" يركّز عليه الدماغ الأيمن. ونشاط "الاستماع إلى الكلمات فقط" يركّز عليه الدماغ الأيسر، أمّا الغناء "الكلمات والموسيقا معاً" فيشمل الدماغ بكامله. عندما تلتقي شخصاً ما، يأخذ الدماغ الأيمن جميع العناصر معاً ويركّبها في نموذج الصورة الكاملة لتميّز الشخص آنياً؛ إلا أنك حين تستخدم دماغك الأيسر فقط، فإنه أولاً يميّز الشَّعر، ثم يميّز الجبهة، ثم العينين، فالأنف، ثم الفم والذّقن بتسلسل "لبناء" الصورة تدريجياً، أمّا الدماغ الأيمن فيميّز النموذج كاملاً آنياً.

ويعتقد العلماء الآن أنّ الدماغ الأيسر هو الذي يتخصص في التفكير بتسلسل منطقي متتابع، أيْ تحليل المعلومات في تسلسل وبطريقة "منطقية" خطوةً خطوة؛ إنّ الدماغ الأيسر يفسّر الأشياء عقلانياً.

أمّا الدماغ الأيمن فيبدو أنّه يأخذ أجزاء عديدة من المعلومات "بنظرة واحدة" ويعالجها جميعاً كفكرة واحدة شاملة، يركّبها جميعاً ليضعها في التوليفة الصحيحة. إنّ الدماغ الأيسر هو الذي يتحكّم بالعمليات الحسابية الرياضية على سبيل المثال: أمّا الدماغ الأيمن فهو الذي يعالج الإشارات غير الكلاميّة.

 

الدكتور محمد ابراهيم بدرة

دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.