"تخيل" حياتك بدون "خيال"... إن الخيال هو الحافز الذي يجعلنا نتطلع دوما إلى المستقبل لنتحدى به الصعاب، ويساعدنا الخيال في حل المشكلات وتفهم مواقف الاخرين، وفي الابداع في الإتيان بأفكار جديدة والتفكير في البدائل والحلول.

تتجاهل أنظمتنا التعليمية الخيال لأنها تعتمد على مبدأ التلقين والحفظ. فالطفل "الناجح" هو الذي يتحول إلى "ببغاء" شاطر يردد ما يقوله الاستاذ من معلومات. كذلك تؤسس أنظمتنا التعليمية التقليدية مصدات تحول دون "محاولة " فهم المزيد من المعلومات. فعندما تقرأ كتاباً في إحدى المواد الدراسية، وتلقي لعقلك أمراً بأنك قد فهمت هذا الكتاب جيداً، فإنك في الحقيقة تأمر عقلك بالتوقف عن التفكير أبعد من ذلك.

لقد تعودنا بسبب التقليد الأعمى لنمط التعليم التقليدي أن نقلل من أهمية الخيال الذي هو دوما غير عقلاني مرتبط بمرحلة الطفولة واحلام اليقظة ويمارسه أولئك الذين لم ينضجوا فكريا بعد. لقد أثر ذلك كثيراً على تقييمنا للعلوم. فالتخصص "الأدبي" أقل قيمة من التخصص "العلمي"، وأن تدخل الطب أو الهندسة فذلك يعني أنك أكثر ذكاءً وعلماً من ذلك الذي يتخرج من كلية الآداب أو الموسيقى. ذلك لأنك تتعامل مع "العلوم" حين تدخل الكليات "العلمية"... في حين أنك تتعامل مع "الخيال" حين تختار المساق الأدبي.

لكن الحقيقة هي أن الخيال جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية، ففكرة أن الدماغ يعمل مثله مثل الحاسوب، يمكن حشوه بالمعلومات التي تصنف في مجلدات مختلفة... أمر غير بالغ الصحة. فالحاسوب يدخل المعلومات دون المرور بها على منطقة الشعور، بعكس أي معلومة ولو كانت صغيرة تدخل إلى أدمغتنا. فإذا أراد استاذ العلوم مثلاً التحدث عن الفرق بين الثعابين السامة وتلك غير السامة.. فإنه بشكل أو بآخر يتعامل مع مشاعرك وخيالك في إدخال المعلومة وجعلها جزء من مفاهيمك العلمية. والتعليم الذي يخلو من إثارة التخيل هو تعليم يحتاج فعلاً إلى إعادة النظر فيه، فالخيال يعطي للكلمات معانيها.

لقد بدأ الباحثون الغربيون في تطوير نماذج للتعلم التخيلي، ولعل أبرزهم في هذا المجال هو ايجان "Kieran Egan". ولم يتوقف الأمر في تطوير تلك النماذج التعليمية الجديدة على العلوم "الأدبية" كالفلسفة واللغات، بل تخطتها حتى إلى تلك العلوم التي نتعامل معها باعتبارها أبعد ما تكون عن الخيال. فقد صدرت مؤخراً العديد من الكتب التي تحوي بحوثاً ومقالات توضح أهمية الخيال في العملية التعليمية وكيفية تصميم نماذج تعليمية تخلط بين الخيال وتدريس العلوم والرياضيات. إن مهمة التعلم السريع هو ادماج الخيال في العملية التربوية لتحفيز العقل على الانفتاح على الافكار الجديدة دون اصدار أحكام مسبقة حولها.

 

الدكتور محمد ابراهيم بدرة.

دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.