عندما يتعلم الطفل اللغة الأولى، فهو يتوقّع أنْ يتعلّم كلّ شيء جديد بالنسبة له، مما يجعل من عملية تعلمه سهلة ومثيرة ومُحفِّزة له. فيجد الطفل نفسه مُحاطاً ببحرٍ من المعلومات، فيختار منه الجرعات التي تثير اهتمامه في ذلك الحين، فيتعلم لغته بشكل انسيابي سلس سريع لا يشعر به أحد. ثم بعد عمر الخمس سنوات وبعد دخوله المدرسة ينحدر منحنى التعلّم إلى درجة كبيرة. إنه لأمر مضحك! فالناس يتلقَّون المعلومات بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي تعلّموا بها قبل المدرسة في طفولتهم.

لكل منا أسلوبه المُميز في استقبال المعلومات ومعالجتها، ولكي يستفيد المتعلم أكبر استفادة ممكنة من التعلم لا بـُدّ أن تـُقدم له مائدة متنوعة الأطباق غنية بخيارات متعددة للتعلم ليختار هو ما يناسبه منها. بالتالي يحتاج المتعلم أن يعلم كيف سيستفيد من التعلم على المستوى الشخصي والمهني، فلا يوجد تعلم دون وجود هدف تعليمي شخصي يخص المتعلم. (النمطية: قالب واحد يناسب الجميع)

كيف يتم نقل وتشرُّب مبادئ التعلم السريع؟ إن أحدنا مهما أتى بوصفات ناجحة من أفضل طباخ يعرفه وحفظها وقام بكل ما يلزم ليتقنها، لا يتقنها إلا عندما يدخل المطبخ، ولو أنه تعلم مباشرة في المطبخ لكان الأمر أيسر وأسرع كذلك. إن أفضل عملية نقل وتشرُّب مهارة قيادة السيارة هي المباشرة بالقيادة رأساً. إذاً التدريب والتعلم السريع لمبادئ التعلم السريع هو المباشرة بالتطبيق والممارسة، ثم القيام بالتغذية الراجعة، بعدها المراجعة، ومن ثم التطبيق والممارسة مرة أخرى.

الاصطباغ في التعلّم: كلما كان الوضع النفسي والشعوري والجسدي والعقلي بعيش هاجس العلم والعمل معاً كلما كان التعلّم موفقاً أكثر، ورحم الله أولئك الذين كانوا يسمعون بالمسألة فيطبقونها لا يزيدون عليها شيئاً حتى تصبح عملاً من أعمالهم، ثم يتعلمون مسالة أخرى وهكذا. وكلما كان ديدن المرء ذلك أصبح زمانه ومكانه بيئة تعلّم، وانغمس كلياً في حالة التعلُّم وهو المدعو إليه بطلب العلم، وهو ما اصطلحنا أن نسميه الاصطباغ في التعلم. ورحم الله من قال: لا يسمى العلم علماً إلا عندما يكون القلب كانطباع البياض في البياض والسواد في السواد. يفكر عقله وينفذ جسده وتنتشي أحاسيسه بسعادة غامرة.

 

الدكتور محمد ابراهيم بدرة.

دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012.


د. محمد ابراهيم بدره