الصدق بطريقة من الطرق هو أن يعكس ظاهر الإنسان باطنه. ولنعود إلى الطفل، ستجد عبارة "براءة الأطفال" تُستخدم كثيراً وهي إن دلت على شيء لدلت على مدى صدق الأطفال، فالطفل لا يكذب قبل أن يعلمه شخص ما الكذب. فهو يتعلمه (في حال تعلم الكذب) بالتدريج وجرعة جرعة. وبما أنه صادق بالفطرة فهو يتوقع أن الجميع صادق مما يجعل ثقته كبيرة للغاية في معظم ما يلتقيه من محيطه، مما يزيد من سرعة تعلمه.

فلابد من صدق المعلم بإحساسه بأهمية دوره وبتحمل مسؤولياته. لابد من مناهج صادقة في تلبية احتياجات مجتمعاتنا، ولابد من صدق كافة العاملين في النظام التعليمي بتحمل مسؤولياتهم. إن اصطباغ العملية التعليمية برمتها بالصدق سيحولها إلى عملية فطرية تلبي المطلوب منها "فالصدق إكسير يقلب عين الأشياء". (مرض الكذب)

إن التعلُّم السريع هو تعلُّم طبيعي، وأجمل ما فيه هو أننا نعرف كل شيء عنه مُسبقاً. إنه الطريقة التي تعلمنا بها عندما كنا صغاراً، ليس في قاعة الصف، وإنما في الحياة، فنحن لا نتعلم الأساسيات من خلال الجلوس في صفوف المدرسة، من قراءة الكتيبات، أو من التحديق في شاشة الكومبيوتر، ولكن من خلال التفاعل مع الآخرين، مستجيبين لفضولنا، بمرح، نتعلم من خلال انغماس كل جسمنا وحواسنا. إن التعلُّم السريع هو تعلُّم طبيعي، يحاكي الفطرة البشرية، ويعطيها المكان الأول في الإبداع.

كيف يتم نقل وتشرُّب مبادئ التعلم السريع؟ إن أحدنا مهما أتى بوصفات ناجحة من أفضل طباخ يعرفه وحفظها وقام بكل ما يلزم ليتقنها، لا يتقنها إلا عندما يدخل المطبخ، ولو أنه تعلم مباشرة في المطبخ لكان الأمر أيسر وأسرع كذلك. إن أفضل عملية نقل وتشرُّب مهارة قيادة السيارة هي المباشرة بالقيادة رأساً. إذاً التدريب والتعلم السريع لمبادئ التعلم السريع هو المباشرة بالتطبيق والممارسة، ثم القيام بالتغذية الراجعة، بعدها المراجعة، ومن ثم التطبيق والممارسة مرة أخرى.

الإصطباغ في التعلّم: كلما كان الوضع النفسي والشعوري والجسدي والعقلي بعيش هاجس العلم والعمل معاً كلما كان التعلّم موفقاً أكثر، ورحم الله أولئك الذين كانوا يسمعون بالمسألة فيطبقونها لا يزيدون عليها شيئاً حتى تصبح عملاً من أعمالهم، ثم يتعلمون مسالة أخرى وهكذا. وكلما كان ديدن المرء ذلك أصبح زمانه ومكانه بيئة تعلّم، وانغمس كلياً في حالة التعلُّم وهو المدعو إليه بطلب العلم، وهو ما اصطلحنا أن نسميه الاصطباغ في التعلم. ورحم الله من قال: لا يسمى العلم علماً إلا عندما يكون القلب كانطباع البياض في البياض والسواد في السواد. يفكر عقله وينفذ جسده وتنتشي أحاسيسه بسعادة غامرة.

 

الدكتور محمد ابراهيم بدرة

دار إيلاف ترين للنشر، كتاب التعلم الطبيعي، النسخة الأولى، المؤلف الدكتور محمد ابراهيم بدرة، 2012


د. محمد ابراهيم بدره