تحدثنا في القسم الثاني من سلسلة مقالاتنا هذه عن الأسباب التي تجعل نموذج الصف المقلوب الحل الأمثل، وسنكمل في هذا الجزء الأخير من هذه السلسلة الحديث عن شروط نجاحه والآليات المتبعة في ذلك.

شروط النجاح في تطبيق نموذج "الصف المقلوب":

أولاً، صفات المعلم:

يصف "جوناثان" و"آرون" المعلم القادر على تطبيق نموذج الصف المقلوب بمجموعةٍ من الصفات والسمات الشخصية التي تجعل منه ناجحاً في تبني هذا النموذج وتطبيقه داخل مدرسته، ومنها:

1. القدرة على إجراء التغيير:

أي الاستعداد لأن يجرب كل ما يعتقد أنَّه قد يساعد طلبته على التعلم بصورة أفضل.

2. القدرة على التخطيط والقيام بالإجراءات واتخاذ القرارات:

أي استثمار أي وقت متاح في إيجاد وتنفيذ أفضل السبل التي تفضي إلى نجاح النموذج ذي الصدد.

3. المرونة:

تساعده هذه السمة على استيعاب الأخطاء التي يرتكبها المعلم خلال رحلة التغيير، والقيام بالتعديلات اللازمة لإتقان التعليم.

4. القدرة على التركيز على الهدف:

يهدف هذا النموذج إعادة توجيه انتباه الطلبة بعيداً عن المعلم، وتركيز هذا الانتباه على المُتعلِّم والتعلُّم.

5. التمكُّن التام من المحتوى الذي يدرِّسه:

يتمكن المعلم بهذا الأسلوب من المراوحة الذهنية والانتقال الفكري من موضوعٍ إلى آخر داخل الصف، والفهم الموضوعي للعلاقات البينية المتشابكة والمترابطة بين مكونات المحتوى.

6. القدرة والشجاعة على أن يعترف أمام طلابه بأنَّه لا يعرف الإجابة المطلوبة:

يجب أن يكون لدى المعلم الاستعداد للاعتراف بأنَّه لا يملك الإجابة، والبحث عنها مع طلابه؛ فقد ثَبُت أنَّ المعلم الذي يعيبه الغرور وادعاء معرفة جميع الإجابات يعيق عملية التعلم.

تذكر دائماً أنَّك قائد المتعلمين، وأنَّه عليك أن تُظهِر لهم ما الذي ينبغي على الكبار أن يفعلوه عندما لا يعرفون الإجابة، وتعلِّمهم في الوقت ذاته كيفية التعاون مع الآخرين للبحث عنها.

7. القدرة على التحرك بانسيابية داخل الصف:

يمنح ذلك كل طالب القدر الكافي من المتابعة والشرح والتوضيح.

8. القدرة على أن يتنازل عن قدرٍ من سيطرته على عملية تعلم طلابه:

تخلق هذه السمة متعلماً مشاركاً وفاعلاً في عملية التعلم، ويتحول التحكم بذلك إلى وسيلةٍ وليس غاية؛ وهذا ما ثبت في كثيرٍ من الدراسات التربوية والسلوكية.

ثانياً، طريقة إدارة الصف المقلوب:

لقد حوَّل ما يحدث اليوم داخل الفصل المقلوب طريقة إدارة الصف إلى ما يشبه خلية النحل؛ فأنت ترى نشاطاً غير متزامن بصورة ملحوظة ومتكررة، حيث يعمل كل الطلاب في أنشطة مختلفة وأوقات مختلفة، منخرطين في عملية تعلمهم.

لذا ستجد على سبيل المثال:

  • طلاباً يعملون على بعض الأنشطة البحثية.
  • طلاباً يجرون التجارب.
  • طلاباً يشاهدون مجموعة شرائط فيديو على أجهزتهم الخاصة.
  • طلاباً يعملون على إجادة الأهداف وإتقانها.
  • طلاباً يعملون على التواصل مع لوحة عرض إلكترونية للانخراط في محاكاة للموضوعات المقررة وإعادة إنتاجها عبر الإنترنت.
  • طلاباً يدرسون في مجموعة صغيرة.
  • طلاباً يؤدون اختبارات التقييم على حاسوب المدرسة أو أجهزتهم الشخصية.
  • طلاباً يطبقون استراتيجية تعلم الأقران أو استراتيجية المجموعة الصغيرة مع معلمهم.

خطوات هامة لإدارة الصف:

تبدأ الإدارة الصفية في هذا النموذج الذي أثبت نجاحاً باهراً بالخطوة الآتية:

الخطوة الأولى:

ينظم المعلم في بداية الحصة الطلاب في مجموعات، وذلك من خلال إجراء فحص يميز الأشخاص الذين يحتاجون إلى شرح عملي عن أولئك الذين يحتاجون إلى خوض اختبار أو إلى تدخلات علاجية تقويمية في موضوع من موضوعات المنهج؛ وكل ذلك من خلال تحرك المعلم عبر الفصل لإحداث ذلك التواصل المباشر مع الطلبة.

الخطوات التالية:

يحدثنا عنها مُبتَكِرا هذا النموذج "جوناثان" و"آرون" قائلين: "إنَّنا نتحدث مع كل طفل في كل فصل ندخل إليه، وفي كل يوم ندرسهم فيه؛ فإذا أظهر طالب أو مجموعة طلاب استعداداً لخوض اختبارٍ ما، فإنَّنا نقضي دقائق معهم لمناقشة النقاط الرئيسة، وما الذي عليهم أن يبحثوا عنه؛ وعندما يصبحون جاهزين، فإنَّنا ندمج معهم مجموعةً أخرى ليعرضوا هذه المبادئ الأساسية على زملائهم من خلال مناقشة تثري العملية التعليمية.

إذا ظهر أنَّ هناك طلاب يحتاجون إلى شرحٍ زائدٍ أو توضيح، فسترانا نعمل معهم على السبورة الذكية أو نعقد لهم حلقةً مستديرة للمناقشة".

ربَّما تعتقد أنَّ الأمر مجهد وبحاجة إلى تحمل مزيد من أعباء العمل في مجال التدريس؛ ولكن يمكن الرد على هذا الاعتقاد بالتركيز على مكونات نموذج الفصل المقلوب الخمسة، والتي هي:

  1. الأهداف التعليمية الواضحة.
  2. تحديد أسلوب التعلم الأنسب لكل هدف تعليمي؛ فهل هو أسلوب بحثي، أم أسلوب الإلقاء والشرح التقليدي، أم عن طريق شرائط فيديو، أم الأداء العملي؟
  3. التأكد من توفر مقاطع الفيديو على الإنترنت قبل قيام المعلم بإنتاج واحد، والتأكد كذلك من سهولة وصول الطلبة إليها عبر الإنترنت أو أجهزة المدرسة وخوادمها.
  4. التواصل والعمل مع كل الأفراد داخل وخارج المدرسة لتسهيل مَهمَّة المعلم، وتوفير أنشطة تدفع طلبتك إلى الانخراط فيها وأدائها في الفصل.
  5. الحرص على بناء بنك للأسئلة وإيجاد صيغ متعددة لكل تقييم صغير أو كبير، وتحويل الأسئلة الشفهية إلى ألغاز.

تذكر دائماً أنَّ النتائج على الأرض هي الوقود الحقيقي الذي يدفع هؤلاء المعلمين إلى الاستمرار في تطوير هذا النموذج ليصل كل طالب إلى فهمٍ عميقٍ لمحتوى المواد التعليمية.

آراء المعلمين الذين طبقوا هذا النموذج:

1. كتب "شاري كيندريك" -معلم في إحدى مدارس سان أنطونيو- إلى كلٍّ من "جوناثان" و"آرون" مبتكرَي نموذج الصف المقلوب رسالة يقول فيها: "لم أكن مضطراً إلى الذهاب إلى المدرسة لأقدم شرحاً لدرسي خمس مرات يومياً؛ وبدلاً من ذلك، كنت أمضي أيامي وأنا أتفاعل مع طلابي وأساعدهم".

كيندريك هو أحد المعلمين الذين تبنُّوا نموذج الصف المقلوب، وقد وجد أنَّ الفائدة الكبرى لهذه الصفوف تصب في مصلحة الطلبة الذين يعانون من صعوبات في تحصيلهم الدراسي؛ فهم يتلقون أكبر قدر من المساعدة، حيث يمضي معلمهم وقته يتجول في الفصل لمساعدتهم على استيعاب المفاهيم؛ كما أنَّه واحدٌ من آلاف المعلمين حول العالم الذين راسلوا "جوناثان بيرجمان" و"آرون سامز" للتعبير عن مدى سعادتهم بالتحول الباهر الذي لمسوه في مستوى طلبتهم، خصوصاً ذوي التحصيل الدراسي الضعيف.

لقد أكد كثير من المعلمين الذين طبقوا نموذج الصف المقلوب من خلال الرسائل الإلكترونية واللقاءات المباشرة مع كلٍّ من "جوناثان" و"آرون" أنَّ النتائج التي حصلوا عليها كانت مدهشة.

بدَّل هذا النموذج طريقة ممارسة التدريس؛ فبدلاً من الوقوف والتحدث إلى الطلبة لمدة تتراوح بين 30 إلى 60 دقيقة في كل حصة دراسية، حدث تغيير رائع غيَّر من أدوار المعلمين داخل الصف، وأثر في الطلبة وأولياء الأمور من نواح كثيرة.

2. كتبت جنيفير دوجلاس -معلمة من مدرسة ويست سايد الثانوية في مقاطعة ماكون بولاية جورجيا الأمريكية- تقول: "عندما تحولت وجهة صفي إلى صف مقلوب، بدأت أستشعر نسائم الحرية تهب من حولي. لقد كنت قادرة على أن أبقى بعيدة أراقب أداء طلابي، ولا يعني هذا أنَّني تخليت عن عملي وجلست أحتسي قهوتي، بل جلست مشغولة بشيءٍ أهم من ذي قبل، وهو التفاعل مع طلابي.

لقد صرت أعمل بجهدٍ مضاعفٍ مع من يعانون من متاعب في التحصيل والإنجاز، حيث واجهنا الأسئلة الصعبة معاً، والتي لم يصادفها الطلاب من قبل؛ وكان كل ذلك فرصةً حقيقيةً لأن أعرف طلابي حق المعرفة، وليصبح عبء التعلُّم مسؤولية الجميع.

إنََني لا أستطيع الآن أن أجبر أحداً على التعلُّم، حيث تسمح هذه الطريقة لطلابي بقبول فكرة أنَّ مسؤوليته تقع على عاتقهم، وتمنحهم بيئة مؤسسية تضمن لهم النجاح".

في الختام:

إذا كنت مهتماً بأن تعرف أكثر عن كيفية تنفيذ نموذج الإتقان في الصف المقلوب، ما عليك إلَّا العودة لقراءة كتاب جوناثان وآرون بعنوان: "الصف المقلوب"، وستجد المزيد عن هذا المفهوم وفوائد إتقانه، وكيفية تنفيذه داخل الفصل؛ كما ستجد فصلاً كاملاً يتحدث عن الأساليب المختلفة التي يمكن تطبيقها على الأنشطة والاختبارات.

كما بإمكانك زيارة موقع "الجمعية الدولية للتقنية في التعليم" لمعرفة مزيدٍ من المعلومات عن هذا النموذج ونماذج تعليمية أخرى من خلال هذا الرابط.

 

المصدر: المقال منشور في موقع النجاح نت للمدربة سمية الشمري.