"إنَّنا نستطيع بالفعل تعلُّم ما نريد تعلُّمه، لكن علينا فقط أن نتعلم كيفية القيام به". آلان تيري.

كيف يمكن مساعدة شخص ما على تحديد استراتيجيته الخاصة في المذاكرة؟

دارت الأبحاث في مجال التعليم عن هذا السؤال منذ سنوات عديدة لإيجاد إجابة تساعد المعلمين على اكتشاف السبب الحقيقي وراء الصعوبات التعليمية، فما هو التعليم؟ وهل حصولنا على المعرفة يُعدُّ تعلُّماً؟

وفقاً لما قدَّمه د. هاوارد في كتابه "The owner's manual for the brain"، الذي أفرد فيه جزءاً كاملاً بعنوان (التعلُّم): إنَّ التعليم يتكون من عمليتين؛ الحصول على المعلومات والاحتفاظ بها، ويمكننا القول إنَّنا تعلمنا إذا حصلنا على المعلومة وفهمناها، وتمكَّنا من تكرار استخدام ما تعلمناه في مواقف متماثلة على فترات قريبة من حدث التعلم الأصلي؛ أي بإمكاننا الاحتفاظ بالتعلم (تذكره) طوال الوقت؛ ومن ثَمَّ بإمكاننا استخدامه وحدنا مرات متعددة على مختلف المواقف على فترات بعيدة.

إذاً فالحفظ هو جزء محدَّد من التعلم، ولا ينطوي بالضرورة على الفهم، فعلى سبيل المثال يمكنني حفظ قصيدة من القصائد المطولة وإلقاؤها دون أن أفهم معنى كلمة واحدة مما فيها، فهل يمكن القول إنَّني تعلمت لمجرد تكرار كلمات لا يمكنني التعبير عنها بكلماتي الخاصة أو إدراك معانيها؟

في الوقت الذي يحرص فيه المُعلِّم التقليدي على حفظ المعلومات وتخزينها في الذاكرة، واستدعائها عند الطلب أو السؤال بوصفها مؤشراً على حصول التعلُّم لدى المتعلمين، يأتي الخبراء والباحثون ليطلعونا على آليات التعلم والذاكرة، وكيف نتعلم بأقصى كفاءة ممكنة، واختزال نتائج دراساتهم بالعبارة: "وفِّر بعض الوقت للممارسة والعثور على نمط تعلُّم يساعدك على الخروج بالمعنى الذي يناسبك، واتخذ قراراً بأنَّك ترغب بشدة في تذكُّر الأمر".

أنماط التعلم لدى المتعلمين:

يشير مصطلح نمط التعلُّم إلى طريقة التعلم لدى الشخص؛ أي نوع المعالجة المعرفية التي يستخدمها شخص ما في أثناء التعلُّم، وقد كُتب كثير عن موضوع استخدام القنوات الحسية المتعددة من أجل إيصال المعلومات؛ إذ تشير هذه الفرضية إلى أنَّ أغلب البشر يمتلكون طريقة أكثر قوة أو مفضلة أكثر (بصرية أو سمعية أو حركية) لاستقبال المعلومات؛ ومن ثَمَّ فإنَّ استخدم المعلم طريقتين في إيصال معلومة ما (بصرية وسمعية)، سيزيد فرص تعلُّم الطلبة ممن يفضلون واحدة من هاتين الاستراتيجيتين؛ وهذا من شأنه تعزيز عملية تعلمهم، إلا أنَّ الباحثين يؤكدون حقيقة أنَّ بقية قنوات الحواس ما تزال تعمل في سياق التعلُّم على استقبال المعلومات بالتوازي مع القناة الحسية المفضلة، وإن كانت بدرجة أقل.

طبقاً للفرضية يحدث الانسجام بين أسلوب المعلم والمتعلم، عندما يتعلم طلبة من نظام تعلُّم بعينه على يدي معلم يستخدم الأسلوب ذاته، فيتعلم هؤلاء الطلبة أكثر من الطلبة الذين يتعلمون على يدي معلم لا ينسجم أسلوب تعليمه أو يتفق مع أسلوبهم، وحتى تتحقق صحة هذه الفرضية، يجب على المعلم التقليدي أن يتحرر من وهم أحكامه المسبقة عن طريقة اختيار الاستراتيجية الأنسب لتعلم المتعلمين، وبأنَّ ما مارسه معلموه معه سابقاً؛ أي الطريقة التي "تعلَّم" بها هي الأفضل للمتعلمين، ويقوم اليوم باستخدامها آلياً، فربما تنجح مع مجموعة محدودة منهم، لكن ماذا عن البقية؟

تأثير المُعلِّم التقليدي:

إنَّ هذا الوهم الذي يسقط به المُعلِّم التقليدي يحرم المُعلِّم والطالب على حدٍّ سواء من اكتشاف أنماط التعلُّم المفضلة لدى الطلبة للتعلُّم لاستقبال المعلومات؛ ومن ثَمَّ لن تُلبَّى في أثناء عملية التعلُّم، فلا عجب أن يُحكَم على الطلبة الأقل تفاعلاً مع أسلوب المُعلِّم بأنَّهم بليدون أو لا يرغبون في التعلُّم.

إنَّ الخروج من منطقة الراحة للمعلم التقليدي الذي اعتاد على تقديم دروسه للطلبة بالأسلوب نفسه والطريقة نفسها يوماً بعد يوم وعاماً بعد الآخر، ليس بالأمر السهل كما يبدو، فعلى الرَّغم من شعور المعلمين التقليديين بالإرهاق نتيجة الجهد الكبير الذي يبذلونه في قولبة أذهان الطلبة على استقبال المعلومات بطريقتهم المفضلة، إضافة إلى الإحساس بعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة والملل في أثناء عملية التعلم من البقاء لساعات طويلة داخل الصف في الاستماع لمعلم تلو الآخر دون أن تكون لديهم مشاركة حقيقية في عملية تعلُّمه؛ يسبب في أحيان ليست بالقليلة ظهور سلوكات غير مقبولة من الطلبة؛ وذلك نتيجة للمشاعر السلبية التي تسيطر على الطلبة من المعلم والعملية التعليمة، وحتى من ذواتهم خلال اليوم الدراسي.

عندما يتعلم طلبة من نظام تعلُّم بعينه على يدي معلِّم يستخدم الأسلوب ذاته، فإنَّ هؤلاء الطلبة يتعلمون أكثر من الطلبة الذين يتعلمون على يدي معلِّم لا ينسجم أسلوب تعليمه أو يتفق مع أسلوبه.

المُعلِّم في نموذج التعلُّم الحديث:

مهمة التعليم الأساسية هي مساعدة الطلبة على تحقيق النتائج المرجوة، ويتحمل المعلِّم في نموذج التعلم الحديث هذه المسؤولية، ويُعدُّ بصورة تعكس نضجه الفكري والنفسي، والذي ينعكس إيجاباً على أدائه وأداء الطلبة داخل الصف؛ فالمعلِّم في هذا النموذج لا يرى أنَّ المتلقي غبي؛ بل بخلاف ذلك يُظهر احتراماً لشخص الطالب، ويمنحه الاستقلالية في اختيار الطريقة الأنسب للتعلُّم، والاعتماد على الذات في فهم الموضوعات، وتركه يعيش فرحة النجاح باكتشاف العالم حوله.

بالمقابل يبدأ الطالب بتكوين صورة إيجابية عن نفسه، ويزداد ثقةً بمهاراته وبالمعلم الذي قدَّم له الدعم لينجح؛ ومن ثَمَّ يصبح أكثر قبولاً لخوض تجارب متنوعة الصعوبة نتيجة لإيمانه المتزايد بقدراته وبالبالغين حوله ممن كانوا عوناً له في تحقيق النجاح في تجاربه السابقة.

ببساطة يقبل المُعلِّم الاختلافات في طرائق التعلم داخل الصف، والتي تعكس تفرُّد كل متعلم؛ ومن ثَمَّ يتفاعل المُتعلِّم إيجابياً مع هذه الأجواء التعليمية المُشجعة للتعلُّم، والتعبير عن الذات والأفكار والإبداع في طرح الحلول للمشكلات، واحتواء تساؤلاتهم ومساعدتهم على إطلاق الخيال المُساعد على التعلُّم، بتعبير آخر "العودة إلى فطرة التعلُّم".

على سبيل المثال، يمكن للمعلم جذب اهتمام المتعلم البصري بتقديم التعليمات البصرية والرسومات البيانية على شاشة ما، مع تعزيز سمعي على النقاط الرئيسة، وبالمثل مع بقية الاختلافات لدى المتعلمين، ومع الحرص على تنويع الأنشطة لتلبي أنماط التعلم المحتملة كافة داخل الصف.

التوصية الرئيسة بأن يحدِّد المعلِّمون "طريقة التعلُّم" الخاصة بهم، إضافة إلى تقييم أنماط تعلُّم المُتعلمين واتخاذ خياراتهم التعليمية وفقاً لذلك.

كيف يمكن تطبيق ذلك في الفصل؟

يقدم نموذج التعلُّم السريع اقتراحات عملية للمعلم ليتمكن من توظيف أنماط تعلم المتعلمين في تصميم عملية التعلم تصميماً مشوقاً، أكثر مرحاً وانغماساً في التعلُّم نفسه:

  • على المعلم أن يخرج من قالب المعتقدات المعوقة عن التعلم والمتعلِّمين وقدراتهم وإمكاناتهم بوصفهم مُعلِّمين.
  • تقديم مائدة متنوعة من المصادر والأدوات والاستراتيجيات التعليمية التي تُشبع حواسهم وتحفِّزها للتعلم.
  • تهيئة بيئة تعلُّم صفية تفاعلية، يتوفر فيها أنواع التعلُّم المختلفة (الفردي أو الأقران أو المجموعات)، ويسود فيها الاحترام بين المُتعلِّمين، مع السماح ببعض المرح، واستخدام الأدوات المتاحة والبسيطة.
  • التخلي عن الدور التقليدي للمعلم بأنَّه مصدر المعلومة الوحيد والأساسي في الصف، وإشعال حماسة المتعلمين للبحث والاكتشاف من خلال طرح الأسئلة المناسبة التي تدفعهم إلى التعلُّم بحق.
  • الحرص حين تقدم المعلومات شفهياً أن تحتوي الوسائل المرئية المعروضة على نقاط رئيسة فقط.
  • الحرص على أن تنوِّع من سرعة صوتك وحجمه في أثناء تقديم التعليمات؛ لتتمكن من جذب اهتمام جميع أنماط التعلم لدى المتعلمين.
  • الحرص عند عرض مقاطع الفيديو على أن يكون التعليق الصوتي محدوداً، ولا يصدر إلا للتأكيد على النقاط الرئيسة؛ لتركيز انتباه المتعلمين.

في الختام:

تذكَّر دائماً أنَّ رغبة المُتعلِّم في التعلُّم وفاعليته في السعي وراء التعلم تكون منفصلة عن التباينات في أساليب المعلم وأسلوبه الخاص، فمهمتك بوصفك معلماً هي أن تُشعل هذه الرغبة، ثم تُفسح المجال للمتعلمين كي يخوضوا تجربة تعلُّمهم الخاصة.